يثير الخط العربي تساؤلات عديدة كما لم يثره أي فن من الفنون، وذلك لشموله جوانب عديدة من حياة الإنسان، وميادينه مختلفة ذات تماس مباشر باحتياجاته الجمالية والوظيفية. فهو بالتالي لا يخص ذوي الشأن من الخطاطين بل تعدى ذلك إلى كونه احد أهم الفنون التي تعكس تطور الفكر الإنساني في الدراسات الانثربولوجية الحديثة.
ومن أبرز ميادين دراسات الخط العربي هي:
1. الدراسات التاريخية في نشأة الخط العربي وتطوره.
2. الدراسات اللغوية في تكون المفاهيم وتطور مفرداتها.
3. قواعد الخط العربي – أصوله وقواعده.
4. تصميم أشكال الحروف الطباعية واستخداماتها في تقنيات الحاسوب.
5. المنطق الجمالي للخط العربي وفقا للفلسفة الإسلامية.
6. استخدامات الخط العربي في الفنون التشكيلية المعاصرة.
ولازالت جميع هذه الميادين (التاريخية واللغوية والحرفية والتقنية والفلسفية والفنية) بحاجة إلى مزيد من الدراسة والبحث والتطوير. ولعل موضوع استخدام الخط العربي في الفنون البصرية والتشكيلية، والذي يضفي عليها طابعاً عربياً وإسلامياً، أحد الموضوعات المهمة التي لا تقتصر على الجانب التطبيقي في هذا الاستخدام، وإنما تستند إلى منطلقات فكرية وجمالية وثيقة الصلة بالفكر العربي الإسلامي، وبما يحمله من نقاط التقاء وتقاطع مع الفكر الغربي. وأود هنا أن أركز على الجانب الفكري لهذا الاستخدام تاركاً الجانب التطبيقي إلى دراسة أخرى مقبلة.
إن اختلاف المنطق الجمالي للخط العربي والفنون الإسلامية عموماً عن المنطق الجمالي للفن الغربي يدعو إلى تعدد وسائل ومعايير القياس بينهما، وعدم قياس القيم الجمالية لأحدهما بمقاييس الآخر، أو الدعوة إلى المزاوجة بينهما، كونهما ينتميان إلى منطقين مختلفين ومتناقضين أحياناً في النواحي الآتية:
الناحية الفكرية: وتتمثل في اختلاف الفكر الإسلامي عن الفكر المادي الغربي.
الناحية الجمالية: وتتمثل في الاختلاف بين الجمال المطلق والجمال النسبي.
الناحية التطبيقية: وتتمثل في إشكالية عمليتي الإبداع والإتقان.
الناحية التقنية: وتتمثل في استخدام الأدوات والمواد وأساليب المعالجة المختلفة. والسؤال الأكثر أهمية هنا هو تلك الإشكالية التي يثيرها (استخدام الخط العربي في اللوحة التشكيلية على الطريقة الغربية) إذ سعى العديد من الفنانين المحدثين إلى الاستفادة من المدارس الفنية الغربية بتقنياتها المتعددة لجعل الحرف العربي عنصراً جمالياً من عناصرها الفنية، لأجل منحها تلك الخصوصية التي تمثل الفكر العربي في جانب من تجلياته الجمالية.
ولما لم يكن أولئك الفنانين التشكيليين خطاطين بالمعنى الحقيقي في إتقان تلك القواعد والأصول، فقد كان استخدام الخط العربي عندهم ذو دلالة شكلية أو رمزية تعبر عن الحركة، أو دلالات فكرية مجردة، أو كأداء يعبر عن صوت ذلك الحرف، أو بتأويلات أخرى متعددة لازمة لأسلوب الفنان ونزعته الذاتية. إلا أن هذا الاستخدام بالنسبة للفن العربي كان يعني انهيار المنطق الجمالي للخط العربي، والتعامل معه كأحد عناصر اللوحة الغربية، بتقاليدها الفنية.
فما هو المنطق الجمالي للخط العربي؟ وما هي سمات الرؤى الجمالية والمعايير الفنية للفن الغربي؟
والإجابة على هذين السؤالين يحتاج إلى الكثير مما تضيق عن استيعابه هذه الصفحات. ولكن سيتم التركيز بشكل موجز على عوامل الاختلاف في النقطة الأولى والمتمثلة بالناحية الفكرية.
أما أهم نقاط الاختلاف الفكري بين الخط العربي والفن الغربي، فهي:
مفهوم الأصالة:
يتضح مفهوم الأصالة في الفكر العربي من خلال المحافظة على تلك التقاليد المتجذرة في عمق السلوك والفكر والقيم مما يجعلها عاملاً موروثاً ومورثاً في آن واحد أي أنه ممتداً من الماضي إلى المستقبل ومروراً بالحاضر، وهذا ما يؤكده حفاظ الخط العربي على تقاليده الفنية في قواعده وأصوله وجمالياته، وكذلك حرص الخطاطين على المحافظة عليه من خلال إتقانه وتعليم قواعده إلى النشىء الجديد.
إشكالية الإبداع والإتقان:
إن صفة الإتقان أو الإخلاص أو الإجادة ذات أهمية في الفكر الإسلامي سواء في علاقته مع الخالق أو مع مجتمعه، كما أن هذه الصفة انعكست على كل ما أنتجه الفنان المسلم، وكان دليله قول المصطفى عليه السلام: (إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه).
والإتقان غاية كبرى للفنان المسلم ومرحلة يسعى من خلالها للوصول إلى الكمال في انجازه الفني وقول الإمام الغزالي يجسد هذه الفكرة في قوله: (جمال الشيء في كماله).
والخطاط يسعى طيلة حياته إلى تحقيق هذا الهدف، ولا يهدف إلى ابتداع أو إضافة شيء جديد للخط العربي. وهذا ما يجعلنا نؤكد:
إن ليس بمقدور خطاط إضافة نوع جديد من الخط العربي. كما انه ليس بإمكان خطاط حذف أحد الخطوط العربية. وكأن الخطاط يريد من خلال إتقانه التوافق التام وإرضاء الذوق الجمعي العام وليس ذوقه الفردي الخاص.
أما الإبداع في الفن الغربي فيتجسد من قيمة ابتكار أشياء جديدة لا نظير لها، ولا يتمكن الفنان من ذلك إلا من خلال عملية إلغاء الماضي والانسلاخ عنه والبحث عن صورة ذهنية تناقض الواقع وتعلن تمردها عليه, وتفردها الذاتي في رسم ملامح تلك الصورة، من خلال إعادة ترتيب عناصر الحياة وفق رؤيته الداخلية الذاتية.
المحاكاة واللا محاكاة:
والمنهج الذي يتبعه الخط العربي والفن الإسلامي عموماً هو اللا محاكاة، وعدم تكرار صور الطبيعة وتقليدها، والقيم الجمالية في الخط العربي لا ترتبط بصور مادية في الحياة قابله للزوال لأنها صور مؤقتة أو مرتبطة بظروف حياتية تبدأ وتنتهي، بل يعتمد جماليات مطلقة ممتدة في الزمان (حيث الكتابة أعلى مراحل التعبير الإنساني في الفكر المجرد). ولهذا السبب فإن الخط العربي لا يتأثر بالمتغيرات المادية وزوالها لأنه لا يستمد معاييره منها وليس تقليدا لها.
بينما ترتبط صورة الفن الغربي عبر مدارسه وأساليبه المتعددة والمختلفة بالمحاكاة التي تعكس قيمتي التوافق والصراع اللذان يدوران بين الإنسان والطبيعة، كما ترتبط بأحداث معينة ذات علاقة مباشرة بالقيم المادية الزائلة، لارتباطها المباشر بالزمكانية، وبالتالي فإنها ذات قيم جمالية تبدأ لتنتهي إلى أسلوب أو اتجاه آخر، وغالباً ما تقوم هذه الأساليب على أنقاض بعضها أو كرد فعل عليها، وضمن فكرة الصراع المادي للقيم والتقاليد والأفكار.
الانتظام واللا انتظام:
يستشعر المتلقي في الفنون الإسلامية أن جمالها هو ناتج للإحساس بالنظام في عناصرها وأسسها، وفي وحدة متوافقة رغم تنوعها، وقد اكتسب الفنان المسلم هذا النظام في كل عباداته وحقوقه وواجباته، وأيقن بأنه جزء من هذا النظام المتوازن القائم مع الله عز وجل ومع المجتمع. وأنه التسلسل المنطقي الذي يعتمد الفكر أساساً للجمال وتناسقه. وهذا الانتظام يجعل المتلقي يتوقع باطمئنان تسلسل العناصر والمفردات والمعاني والدلالات في الخط العربي. بينما لا يتوقع المتلقي عناصر اللوحة الغربية، بل يجد صعوبة كبيرة في تأويلها أو فهمها أو تفسيرها، كما أن نظام هذه اللوحة لا يستمد كامل عناصرها من البيئة والمحيط الذي يدركه الإنسان ويعيش فيه، وإنما من ذلك الاضطراب الداخلي الذي يقع الفنان الغربي تحت وطأته وتأثيراته مما يجعله عالماً داخلياً يصعب حل رموزه أحياناً؛ خاصة عندما يعاني من فوضى واضطراب، فينعكس ذلك في الخطوط والألوان والحركة وكافة العلاقات الناتجة عنها.
الاطمئنان والصراع:
لا شك أن الفنان المسلم والخطاط العربي يرفع كل الهموم والظنون والهواجس ويتوحد مع عالم مستقر في ظاهره وباطنه، ويستشعر الأمان في توازنه مع محيطه وبيئته ويعلم أن العمل عبادة، خاصة عندما يخلص النية لله (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، وأن فن الخط للآيات الكريمة، إنما هي عبادة من طراز رفيع وجليل، وبالتالي فإن الخط العربي هو نتاج لحالة من الطمأنينة والسكون والتوازن الذي يتوحد فيه الفنان المسلم مع المعاني المقدسة للذكر الحكيم. أما الفن الغربي هو ناتج صراع وقلق بين الفنان ومحيطه الذي يرفضه دائماً، ويتمرد عليه بل يعتبر أن الطبيعة والبيئة انحرفت عن مسارها الصحيح، وإنما يحاول هو بتجربته الإبداعية إعادة صياغة الحياة وفق رؤيته الصحيحة، وهذا ما أكدته النظرية الانفعالية في الفن عندما جعلت انفعال الفنان هو الأساس في قيام العمل الفني ووجوده، رغم أن العديد من الانفعالات قد لا تتوازن مع الإنتاج الفني الجيد.
غياب الفنان وحضوره:
يغيب الفنان المسلم في عمله الفني، وكذلك الخطاط، فلا نكاد نرى ما يميز أسلوبه الذاتي أو طابعه الخاص، وغياب الذات هنا إنما دلالة على انصهار الفنان في مجتمعه، لأجل تقديم أفضل القيم الجمالية التي تمثل الذائقة العامة، ولأجل هذا فإننا نجد فناً إسلامياً ولكننا لا نجد فناناً مسلماً أو بمعنى آخر تغييب ذات الفنان المسلم في عمله الفني.
بينما يكتسب العمل الفني الغربي قيمته، من خلال حضور الفنان بأسلوبه وانطباعاته، وانفعالاته وتجربته الذاتية التي تعكس رؤيته الخاصة، وتتسم بطابع نرجسي خاص. بل أن الفن الغربي قائم على قيمة التجارب الفردية وليس على الاتجاهات أو الأساليب أو المدارس. هكذا يتجسد الفنان الغربي كعالم مستقل في عالمه الفني بما يجعل الفن الغربي عموماً يحمل العديد من الرؤى والأساليب المتناقضة والمختلفة بين بعضها.
غياب الموضوع وحضوره:
يشهد الفن الإسلامي والخط العربي في مضمون المنجز الفني غياباً كبيراً للموضوع/ وهذه المبدئية هي ترجمة لغياب الإنسان والطبيعة، أو وجودهما النسبي أمام قدرة خالقها المطلقة، لأن الوجود الذي يشهد عليه الإنسان، أو الوجود الذي تشهد عليه الطبيعة هو وجود عرضي، وبالتالي فهو وجود يشهد على الوجود المطلق والجوهري وهو الله عز وجل. إذاً إن الموضوع الحاضر في العمل الفني الإسلامي هو الغيب والإيمان به وبالمعاني الجليلة التي تدركها البصيرة قبل البصر، وهو في نفس الوقت القيمة الحية والجوهرية في الفن الإسلامي، وما وجود الإنسان والطبيعة ومظاهرهما الا شهادة على وجود الحي المطلق.
أما في الفن الغربي ومنذ أولى النظريات الفنية في المحاكاة أو المثل الأعلى أو محاكاة الجوهر، كان للموضوع دوراً أساسياً في قيمة العمل الفني، بل كانت الأعمال الجيدة هي تلك التي تتخذ من المواضيع العظيمة وسيلة لخلودها وبقائها، وان استغنت العديد من الاتجاهات الحديثة عن الموضوع، واكتفت بالمضمون بدلا عنه، بل وقد تخلت أحياناً عن المضمون أيضاً.
ولا شك أن ارتباط العمل الفني بالموضوع، كان يحدد ارتباطاته الزمكانية ويجعلها تتأثر بمتغيراتهما وتحولاتهما.
مظهر العمل الفني:
يتسم العمل الفني الإسلامي والخط العربي عموماً بمظهر جذاب متناسق ومتوازن لا يثير القلق ويسر الناظر إليه لشدة ما يتصف به من تناغم وتوافق ووحدة بين أجزاءه، ونحن لا نجد عملاً فجاً أو غبر متجانس.
وهذه المقولات كانت أساساً ترتكز على جانب مبدئي وهو عدم الاكتفاء بالمثل العليا التي تخص الإنسان؛ وإنما تحول مبادئ هذا الفن إلى جانب تطبيقي تدخل في خدمة الإنسان واستعمالاته اليومية ودعوتها الصريحة في ما يتناول من كتابات وأعمال إلى الخير والفضيلة والارتقاء بمثل الإنسان وقيمه.
بينما لم يكن المظهر الجذاب هو الذي يميز العمل الغربي، على قدر ما كان يمثله الموضوع في بعض النظريات الفنية أو انفعال الفنان، وقد دعت بعض النظريات إلا أن يكون الفن خالصاً لذاته كقيمة مستقلة ليس لها علاقة بأي شيء وكما كان يقول كروتشه (لا خير في فن يدعو إلى الأخلاق أو المنفعة). أي أن الفن مستقل بقيمته الجمالية الخالصة. وليس وسيلة تربوية أو نفعية لقيمة أخرى. وبالتالي عزلها عن الحياة الاعتيادية للإنسان. وان يكن قد تخلت النظرية الحديثة عن ذلك وأصبح الفن والتصميم تداولياً في حياة الإنسان اليومية.
تمثل النقاط أعلاه بعض جوانب الاختلاف الفكري بين الفنون الإسلامية عموماً والخط العربي خصوصاً هذا من جانب، وبين الفن الغربي من جانب آخر. فضلاً عن ذلك فان هناك اختلافاً في الرؤية الجمالية والتطبيقية والتقنية.
من هنا يتوضح للفنان بان هناك نقاط اختلاف فكرية وفلسفية يتوجب أخذها بعين الاعتبار عند استخدام الخط العربي في اللوحة التشكيلية. وعند إعادة قراءة الخط العربي وفق الرؤى الحديثة لوجدنا أن الحرف العربي يتضمن كل القيم الفنية التي تجعل منه فناً مستقلاً بذاته،بل تبلغ استقلاليته العالية إلى درجة تأخذ بالألباب والعقول والقلوب بوحدة متكاملة عند النظر إليه. فيطغى على كل ما حوله من أشكال وعناصر. ولعل سعة استخداماته المختلفة دليلاً واضحاً لقدرته الفنية والجمالية والوظيفية على تغطية العديد من الحاجات الإنسانية المختلفة.
لا شك أن نقاط الخلاف المتعددة تشكل قيودا على العملية الفنية والحرية التعبيرية لدى الفنان المعاصر خاصة إذا كان يفهم الحرية الإبداعية من وجهة النظر الغربية مما يؤدي بها إلى التناقض بين الفكر والممارسة في نظرية الفن وتطبيقاتها العملية. فهل هذا يعني بقاء الخط العربي ضمن منطقه الجمالي الحالي وعدم إمكانية تحوله لا شك انه يمتلك من المقومات والخصائص التي جعلته يحافظ على بنيته الأساسية منذ قرون عديدة. لأنه اكتسب قوانينه وفلسفته من البيئة العربية الإسلامية بكل معطياتها وأثرى ذلك المناخ الديني والفكري نواح عديدة في تعدد أشكاله وصوره. ولعل أولى الأسباب في ذلك هي تجذر أصوله في تلك البيئة، واستحضار المناخ الفكري لنشأة الخط العربي وتطوره يعني استحضار العديد من القيم النبيلة في المجتمع العربي من صدق ووفاء وأمانة وإتقان وإخلاص وفضيلة.
إن البحث عن لغة جديدة للتعبير في الخط العربي تستوجب عدم إغفال ذلك المنطق الذي ارتكز عليه الجمال في أصوله وحرفياته وإبراز مقولاته في تلك القيم التي لم يكشف عنها بعد وتحتاج إلى مزيد من البحث والتحليل، فهل يعني استقرار قواعده وأصوله نهاية المطاف لاكتمال شكله الفني النهائي والخط العربي يستمد قيمة كيانه الجمالي من تلك القدسية التي أحاطت بآيات الذكر الحكيم ومأثور القول وصافيات الحكم التي كان يتداولها الخطاطون فاكتسب الخط ما يمكن أن نسميه جلال المعنى وجمال المبنى، فتشربت حروفه تلك المعاني في جلالها حتى عد النص المكتوب جزءاً من المنطق الجمالي للخط العربي لأن الكثير من الجانب التذوقي فيه يعتمد على جمال المعاني المدركة الذي يثيرها النص وهو دون شك أحد الركائز المهمة التي يوليها الخطاط عناية كبيرة عندما ينتقي الآية القرآنية أو النص انتقاءً، لدلالته المفاهيمية أو لسحر العلاقات القائمة بين حروفه في تكوينها وإيقاعها وتشكيلها. فهل تقف كل هذه السمات كمحددات لا تتيح لغير الخطاطين الولوج في هذا العالم السحري المقدس.
إن بناء الثوابت الشكلية التي توزعت على محور الزمان والمكان في الحروف العربية والتي أسست على سلم إحالات داخلية في قوانينها شكلت نسقاً فكرياً مع طبيعة الخطاط العربي المسلم وكانت اللوحة الخطية تشكل بنية خطاب متماسك داخل صيرورة الفن الإسلامي. فهل تشكل كل هذه الثوابت تناقضاً مع المفهوم المعاصر لعملية الإبداع.
لقد أجمعت الدراسات الفنية والنفسية على أن كلمتي التغيير والتجديد تتطلبهما المعاصرة وهما كلمتان مرادفتان للإبداع، وان التكرار والنمطية لا تتعدى أن تكون حرفة يمكن إتقانها ولا يمكن تجاوزها. من هنا تبرز الإشكالية والتناقض في الجمع بين حرفيات فن الخط وموجبات الإبداع والابتكار والتغيير، هنا تبرز الحاجة إلى إيجاد حل لهذا التناقض. وتعد عملية تحليل القيم الفنية في الخط العربي وضمن المنطق الجمالي للفن الإسلامي واحد من أفضل السبل في استقاء المعاني والبحث عن لغة جديدة للتعبير، فكل الدلالات التي اشرنا إليها من مظهر جذاب وتوازن وإتقان وقيم تجريدية وجمالية تجعل الخطاط الذي أتقن سر الجمال والحرفة أن يعيد ترتيب عناصره وقيمه الفنية يمنح الخط العربي بعدا يضيف آفاقاً جديدة تستقرئ الجمال وتتملاه.
** محاضرة ألقيت في ملتقى الشارقة الدولي للخط العربي 2006