* باسم المهدي: الفراغ هو المسرح الذي ترقص فيه الحروف كأنها راقصات باليه
* يسعى لتقديم ابتكارات جديدة في الحروف الطباعية
بغداد- «القدس العربي»: لم يتوقف الخطاط والفنان باسم مهدي عند مدرسة واحدة في تقديم فنونه في الخط والتشكيل، بل سعى لأن ينهل من كل من مدرسة، ابتداءً من هاشم محمد وصولاً إلى أساتذته الذين تتلمذ على أيديهم في دراسته، وهو ما أهّله لأن يبتكر خطوطاً فنية، ويغذي فضاء لوحاته بألوان يستقيها من البيئة العراقية أولاً، ومن معاني الجمل التي يبني من خلالها عمله الفني.
المهدي (1973)، يترأس الآن جمعية الخطاطين العراقيين فرع ذي قار، إضافة لكونه فوتوغرافياً وعضواً في جمعية المصورين العراقيين، ابتدأ نشاطه الفعلي مع معرضه الأول الذي أقامه في مدينة الناصرية عام 1991، ومعرضه الثاني في الخط العربي والتصميم عام 2004، ليحصل بهذا على العديد من الجوائز والشهادات، منها الجائزة التقديرية في الخط الكوفي في مهرجان السفير الدولي الخامس 2015، والجائزه الأولى في مسابقة البورتيت التي أقامتها وكاله الانباء العراقية، والجائزه الثانية في مسابقه التجريد، والجائزه الثالثة في مسابقة الحياة الصامتة، وغيرها الكثير. وما يميز المهدي أكثر أنه قدّم للخطوط الطباعية والإلكترونية ثلاثة خطوط لتستخدم في التصميمات الطباعية.. عن فن الخط ومنهجه كان لنا هذا الحوار:
■ غالباً ما تقدَّم لوحاتك بمقولات معروفة تعيد إنتاجها فنّاً، ما الذي يثيرك في مقولة دون أخرى؟ وكيف تعيد بناءها كعمل فنّي في ما بعد؟
ج/ المقولات المعروفة ليست هي الأساس في اختيار نص اللوحة، لكن ما تحمله من معانٍ تحرك شيئاً ما وتجعل الخطاط يهم بتنفيذها كلوحة أو تصميم، وفي بعض الأحيان حروف اللوحة هي ما يجذب المصمم أو الخطاط للعمل عليها، فمثلاً وجود حروف متناظرة في العبارة, كعبارة «من جد وجد»، أو «من آمن أمن»، أو مجموعة من الألف واللام، كعبارة «وهل الإيمان إلا الحب»، فهي تحفز الروح التصميمية لدى الخطاط لتحويلها إلى عمل فني أو لوحة خطية، العمل حينها يكون فيه الكثير من العناية بالجانب التصميمي، المتصل بالاستقامات وتناظر الحركة وموازنة الكتل في تكوين العمل الفني، والكثير من هذه الأمور التي تؤثر في اختيار النص.. ومن ثمَّ فإن لكل عبارة نوعاً من الخط الملائم لها، فليس كل الخطوط تصلح لأن تكتب بها العبارات جميعاً، بل يجب ان يتناغم نوع الخط مع كلمات العبارة.
■ ما الزوايا التي تبدأ بها لوحاتك؟
ج/ الزاويا التي اختارها في أغلب أعمالي للبدء في الكتابة هي من أسفل اليمين، وهذا ليس قانوناً ثابتاً، لكن في بعض الأحيان إن وجد لفظ الجلالة يجب أو يحبب أن يتصدر اللوحة أو يعلوها، فيتغير مكان بدء اللوحة والتسلسل في القراءة، لهذا يتعين اختيار مكان بدء اللوحة أو الزاوية بعناية لتساعد المتلقي على قراءة النص والتفاعل معه، فإن لم يتوفق المتلقي للعمل الفني في معرفة مكان بداية اللوحة فلم يتمكن من قراءة النص، وقد يصاب بالإحباط، وكلنا نمر بمثل هذه الحالة، فعلى الخطاط أن يراعي هذا الجانب.
■ وما الحروف التي يمكن أن تبدأ بها في عملك وتنتهي بها؟
ج/ قد يكون الجواب دبلوماسياً، لكنه واقعي، فكل حرف له ميزة، وكل الحروف محببة بالنسبة لي، فلا أجد أن هنالك حرفاً لا أحبذ البدء به، النص بأكمله مجموعة تكوينات مترابطة ومتناغمة تساعد في إخراج العمل الفني.
■ ما فلسفتك في بناء اللوحة؟ ولماذا تهتم بالفضاء أكثر من النقوشات والفسيفساء التي اشتهر بها عدد كبير من الفنانين؟
ج/ لكل فنان رؤيته الخاصه في إنتاج أعماله الفنية.. أعمالي جزء من نفسي، فقد أخذت مني الكثير وأخذت منها الكثير. بناء اللوحة بالنسبه لي يعتمد على الكتله والفراغ، فالفراغ هو المسرح الذي ترقص عليه الحروف كأنها راقصة باليه تؤدي أجمل الحركات بصحبة إنارة جذابة وسط عتمة حالكة وعلى كتفها شال أحمر يكون نقطة جذب للمتلقي.
أما النقوش والفسيفساء فهي جزء لا يتجزأ من أعمال أخرى، لكنها تختلف عن النمط الجديد الذي أعمل عليه. فمثلاً الحلية النبوية لا تكتمل جماليتها من دون التزهير والتذهيب والزخرفة الإسلامية، وهذا ينطبق على الأعمال الكلاسيكية وصفحات القرآن الكريم، إضافة لأعمال (الكاشي الكربلائي) الذي يزين الجوامع والأضرحة، فلا يكتمل إلا بوجود الزخارف النباتية والهندسية، غير أن أعمالي تركز على الحرف وحركته وجمالية تكويناته.
■ ما يميز لوحاتك أنك تختار ألواناً أحادية؟ هل هناك ألوان ما تصلح لأن تكون مع فن الخط وألوان لا تصلح؟
ج/ في أساس كل عمل فني؛ خطياً كان أم تصميمياً، يكون القلم الرصاص على ورقة بيضاء أساس اللون، وبعدها نبدأ بتنفيذه، إما بقصبة وحبر أو عن طريق الحاسوب، فيكون ذا لون أحادي، وبعد أن يكتمل ويكون عملاً متزناً قد أتم كل عناصر التكوين الفني للوحة، نقوم بإكسائها لونا يليق بها، وهناك جانب يجب مراعاته في عملية اختيار الألوان، فيجب أن يراعى الجانب التنفيذي للعمل، فالمصمم أو الخطاط لابد أن يعرف كيف سيتم إخراجه إن كان سيعرض على شاشه فيختار له ألوان الشاشة، وإن كان سيطبع طباعة، فيختار الألوان الطباعية، أو إن كان سينفذ بحبر على ورق. في بعض الأحيان يتبع اللون الكلام المختار، حينها لا يمكن استخدام ألوان مفرحة في بيت شعر رثاء، ولا يمكن استخدام اللون الأسود أو الرمادي وأنت تصف العيد وفرحته.
■ كيف تقيّم فن الخط العربي في العراق؟
ج/ لست في المرتبة التي تؤهلني لتقييم فن الخط، فلم أزل في البدايات بالنسبة لفن عريق كفن الخط العربي، غير أن هذا الفن ازدهر عراقياً من قبل فنانين أفراد، من دون أي مؤسسة تدعمه ولا من راعٍ يرعاه، فهو يتيم تائه من غير مأوى، تتلاطمه الطرقات، في بلد نشأ فيه الحرف الأول. ومن المعلوم أن أكبر عدد من الخطاطين الفائزين في مسابقة أرسيكا التي تنظمها منظمة الدول الإسلامية التي تقام في تركيا عراقيون، وهذا يدل على سريان دم الإبداع في عروق الخطاطين الشباب الذين اعتمدوا على أنفسهم وحفروا أسماءهم.
■ أين تكمن مراحل الحداثة في الخط العربي عراقياً؟ وما الأسباب التي أدت لهذه التحولات عبر عشرات السنين؟
ج/ تكمن في الخط العربي أو ما يطلق عليها بالحروفية، كان في أربعينيات القرن الماضي، التي واكبت حركات الحداثة كظهور الشعر الحر، والخروج عن النمطية في كل الفنون كالمسرح والرواية، ابتداءً من الفنانة العراقية مديحة عمر، خريجة جامعة جورج واشنطن في أمريكا، التي عرضت أول عمل لها عام 1949 في معرض (صور تجريدية للحروف العربية)، وبعدها عرضت لها أعمال في بغداد 1981، أرخت في عام 1946، فضلاً عن الفنان جميل حمودي الذي أرخ أول أعماله عام1947، وعدّت هذه البذرة الأولى في عالم الحروفية وإدخال الحرف العربي في اللوحة التشكيلية أو استخدام الحرف العربي في إثراء الحركة الفنية الحديثة.. لتأتي بعدها المرحلة الثانية في تجربة الفنان محمد سعيد الصكار وتجديداته في الخط العربي التقليدي.. وبحسب الناقد محسن الذهبي، فإن تجربة الفنان العراقي شاكر حسن آل سعيد عبر أعماله المستمده من تنظيرة لجماعة (البعد الواحد) وتأويلاته الصوفية في نسج العمل الفني تبقى من أبرز ما قدمته للحروفيين العرب في وضع الأسس الأولى لمدرسة فنية معاصرة تعتمد استلهام الحرف العربي. أما المرحلة التالية، فجاءت بأسماء مهمة مثل إياد الحسيني الذي أدخل الحروفية في الأعمال النحتية والخزاف ماهر السامرائي الذي أدخل الحرف العربي في الخزف والكثير من الأسماء.. أما من الشباب، الفنان عبد الحسين تويج وأحمد الناصري ومحمد هاشم وروضان بهية وأكرم جرجيس وعلي العبادي ووسام شوكت وعبد الحسين الركابي وحيدر الشيباني، ولكل من هؤلاء تجربة أثرت الحروفيات العراقية، وواكبوا عصرنة وحداثة الحرف العربي ودخوله في مجال الفن التشكيلي حتى أصبحت هوية قومية ورمزية إسلامية للفنان الحروفي أو التشكيلي العربي.. وفي الوقت الحالي، ومع دخول التطور التكنولوجي في مجال التصميم ودخوله في مجال الكرافيك ظهرت بوادر حركة جديدة من الحروفية الرقمية، ومن روادها نصيف جاسم والكثير من الشباب الطموح الذي يسعى لبناء مدرسه خطية حروفية جديدة.
■ خرج الكثير من الفنانين العراقيين على النماذج الرئيسة للخط العربي وابتكروا قوانينهم الخاصة، مثل محمد سعيد الصكار وصادق الصائغ وغيرهما.. كيف حدث هذا؟ وما الذي على الفنان فعله ليبتكر نماذجه الخاصة؟
ج/ الأسماء التي ذكرت لا يمكن وضعها في خانة الحروفيين أو التشكيليين، بل هم من الفنانين الشاملين أو متعددي المواهب. محمد سعيد الصكار فنان متعدد المواهب لا يمكن وضعه في خانة الخط ولا في الرسم ولا في الشعر، فهو عابر للفنون يمثل حالة خاصة.. أنا أعدُّ الصكار مثلاً أعلى، فهو ومن بمكانته لا يمكن حصرهم في مربع واحد، فالصكار أول من ابتكر خطاً طباعياً عربياً عام 1955 قبل أن يخترع الحاسوب. ومن المعاصرين أذكر أستاذي الخطاط منير الشعراني، فهو بالأساس خطاط قواعدي مضبوط تتلمذ على يد كبار الخطاطين في وقته ومن المناصرين للحداثة ومواكبة العصر، وهو من الفنانين الذين تأثرت بهم فعلاً كأعمال وخلق وأسلوب ومدرسة فنية. باعتقادي، إن الابتكار يشغل كل فنان يسعى لأن يكون له أسلوبه الخاص الذي يسجله له التاريخ ليكون في زمن ما نموذجاً يحتذى أو أسلوبا أو طريقة تدرس، فمن خلال تجربتي المتواضعة، أعتقد أن الموهبة لها دور كبير وبعدها يجب على الخطاط أن يثقف نفسه في مجاله، ويكون على اطلاع على أغلب المدارس الخطية والفنية والمعاصره بالنسبة للخطوط الطباعية والتصميم، فجميعها مدارس تنمي من فكر المحب للخط والمحب للابتكار.
■من خلال البحث عن معلومات عنكم في محركات البحث وجدت أن لك علاقة في تصميم الخطوط الطباعية، فما الخطوط التي قمت بتصميمها وما جديدك؟
ج/ لي من الخطوط الطباعية المصممه حوالي 20 خطاً، المبرمج منها ويعمل كفونت في الحاسوب هي 3 (مرح فونت- الباسم فونت A – الباسم فونت B) وهذه العملية كانت بالتعاون مع الصديق المهندس حسن أبو عفش من فلسطين، وهو خبير في مجال برمجة وتصميم الخطوط وتسويقها.. مجال تصميم الخطوط الطباعية يتطلب خيالاً واطلاعاً معمقاً في الخطوط الطباعية والخطوط الجديدة والخطوط اللاتينية أيضاً، مثلاً الخط الطباعي Basim Marah أحد الخطوط الطباعية فئة العناوين، يمكن استخدامه للعناوين والمشاريع التصميمية، وتم بناؤه على قواعد الخط الحر، وهو يدعم العربية والفارسية والأوردية.
الخط الطباعي Basim Marah نتاج جهود تعاونية، إذ قام برسمه وتصميمه الخطاط باسم سالم المهدي من العراق على برنامج CorelDraw، ثم قام حسن أبو عفش من فلسطين ببرمجته وتحويله إلى خط طباعي. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2008 تم تحديثه بالتعاون مع (Mirjam Somers) الحائزة جوائز عالمية في تصميم الحروف العربية ليتلاءم مع قالب خطوط (DecoType) الذي يعمل على برنامج (WinSoft Tasmeem) الملحق مع برنامج (InDesign CS4).
أما «الباسم أ و ب»، فهو أحد الخطوط الطباعية من فئة العناوين، إذ يمكن استخدامه لكتابة العناوين الرئيسة، وعناوين الكتب، والمشاريع التصميمية الأخرى. وهو جهد مشترك، إذ إن حروفه الأولى تم رسمها وتصميمها بواسطة باسم المهدي من العراق، ثم طورت حروفه وتمت برمجتها إلى خط طباعي بواسطة حسن أبو عفش من فلسطين. وقد بني هذا الخط الطباعي على قواعد الكوفي الفاطمي، ولكنه تميز بفكرتين رئيستين: الأولى أنه احتوى على حليات جميلة في أجزائه العمودية من حروفه. والثانية اختلاف السماكة في بعض حروفه بدلاً من كونها متماثلة كما هو المعتاد في الخط الكوفي الفاطمي. هذا الخط يحتوي على وزنين فقط هما العادي والسميك، وكلاهما يدعمان خصائص الأوبن تايب لكل من العربية والفارسية والأوردية والكردية.
■ بماذا تحلم في مجال فن الخط العربي؟
ج/ أحلم بتأسيس مدرسة للخط العربي والزخرفة الإسلامية تهتم بكل ما يتعلق بهذا الفن والحروفيات والزخارف والأرابسك والنحت والخطوط الطبيعية.. لكن هذا بحاجة لدعم مؤسساتي وحكومي لا أستطيع تنفيذه لوحدي..
أجرى اللقاء/ الأستاذ صفاء ذياب، القدس العربي Sep 10, 2016