القلم أشرف آلات الكتابة وأعلاها رتبة، إذ هو المباشر للكتابة دون غيره، وغيره من آلات الكتابة كالأعوان، ويكفي فخراً وشرفاً أن الله سبحانه وتعالى أضاف التعليم بالقلم إلى نفسه في أول ما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم من آيات حيث قال: “اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم” وأنه جل وعلا أقسم به وبأداته في مطلع سورة القلم حيث قال: “ن والقلم وما يسطرون”. وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قلم قلماً يكتب به علماً أعطاه الله شجرة في الجنة خير من الدنيا وما فيها”. كما روى عنه صلوات الله وتسليمه عليه قوله: “أول ما خلق الله القلم. فقال: اكتب. قال: يا رب وما أكتب؟. قال: اكتب القدر وما هو كائن إلى الأبد”. ويروى أن الله خلق القلم قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
ولقد تبارى الأدباء والكتاب والشعراء في وصف القلم وبيان فضله وقيمته. فيقول أحد الشعراء:
إذا أقسم الأبطال يوماً بسيفهم وعدوه مما يكسب المجد والكرم
كفى قلم الكتــــاب عزاً ورفعـــة مدى الدهر إن الله أقسم بالقلم
ويقول أحد الحكماء: القلم أحد اللسانين، وهو المخاطب للعيون بسر القلوب. ويقول ابن المعتز: القلم مجهز لجيوش الكلام، تخدمه الإرادة، ولا يمل من الاستزادة، كأنه يُقّبِّل بساط سلطان، أو يفتح نوار بستان. وهذا جعفر بن يحيى يبدع في وصفه إذ يقول: لم أر باكياً أحسن تبسماً من القلم.
وما أروع ما كتبه الشاعر “الرفاء” في وصف القلم:
أخرس ينبيـــــــــــك بإطراقه عن كل ما شئت من الأمر
يذرى على قرطاسه دمعــــه يبدى لنا السر وما يدرى
كعاشق أخفى هــــــواه وقد نَمَّت عليه عبرة تجرى
تبصره في كل أحوالـــــــــــه عريان يكسو الناس أو يعرى
يرى أسيراً في دواة وقـــــــد أطلق أقواماً من الأسر
ويقول أحدهم: القلم صائغ الكلام، يفرغ ما يجمعه الفكر، ويصوغ ما يسكبه اللب. ويقول على بن منصور: بنور القلم تضئ الحكمة.
ويقول غيره: بالقلم تزف بنات العقول إلى خدور الكتب. ويصور أحد الشعراء القلم عابداً فيقول:
وذي عفاف راكع ساجد أخو صلاح دمعه جارى
ملازم الخمـــس لأوقاتها مجتهد في طاعة الباري
ولما كان للقلم من منزلة رفيعة وفوائد جمة، فلابد إذن من الاهتمام به وبكيفية الإمساك به عند الكتابة، فالطريقة الصحيحة للإمساك بالقلم هي أولى الخطوات لتعلم الكتابة وتحسين الخطوط، ويقول ابن مقلة رحمه الله: “يجب أن تكون أطراف الأصابع الثلاث الوسطى والسبابة والإبهام على القلم. ويجب أن تكون الأصابع مبسوطة غير مقبوضة، لأن بسط الأصابع يتمكن الكاتب معه من إدارة القلم، ولا يتكئ على القلم الاتكاء الشديد المضعف له، ولا يمسكه الإمساك الضعيف فيضعف اقتداره في الخط، لكن يجعل اعتماده في ذلك معتدلاً، وإذا أراد الكاتب أن يكتب فإنه يأخذ القلم فيتكئ على الخنصر ويعتمد على القلم بسائر أصابعه، ويعتمد بالوسطى على البنصر، ويرفع السبابة على القلم، ويعمل الإبهام في دورانه وتحريكه، وعلى حسب تمكن الكاتب من إدارة قلمه وسرعة يده في الدوران يكون صفاء جوهر حروفه.”
ويستحب للكاتب في كتابته إذا فكر في أمر أن يضع القلم على أذنه، فقد روى أن معاوية بن أبى سفيان كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا رأى من النبي صلى الله عليه وسلم إعراضاً وضع القلم في فيه، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا معاوية إذا كنت كاتباً فضع القلم على أذنك فإنه أذكر لك وللمملي.
وهناك أمور مهمة يجب مراعاتها أثناء الكتابة، مثل كيفية حركة اليد بالقلم، وما يجب أن يراعى في كل حرف وفى كل حركة وفى كل نقطة، وأيضاً في تناسب الحروف ومقاديرها في كل قلم وفق قواعد معينة لكل نوع من أنواع الخطوط، وكذلك فيما يجب اعتماده لكل ناحية من نواحي القلم، فمن المعروف أن للقلم سناً أيسر، وعرضا ووجها وصدراً، وأنه يتعين على الكاتب معرفة كل واحد منها ليعطى كل واحد حقه في الموضع الذي يقتضيه الحال.
ومع تطور صناعة الأقلام انتشرت في زماننا أنواع عديدة من الأقلام الجافة، وهى كاسمها (جافة) ليست بها أية مرونة لإظهار الحروف بشكلها الصحيح من سماكة ونحافة وزوايا واستدارات وانحناءات.. الخ، بالإضافة إلى أنها ترهق اليد وتتعب الأصابع من الكتابة بها لفترات أطول وذلك لما يحتاج إليه من قوة ضغط للأصابع على القلم لإظهار الكتابة.
والقلم الجاف في رأيي هو عدو الخط الأول -إن صح التعبير- حيث ساعد بشكل كبير على رداءة خطوط العديد من الطلاب وغيرهم، ولاسيما من يعتمدون عليه كلية في كتاباتهم دون القلم السائل المعروف.
أدعو إلى العودة للكتابة بالأقلام السائلة، كما أوصى نفسي وخطاطينا بعدم الاعتماد على الأقلام الفلوماستر في كتاباتهم، وعدم ترك وإهمال وهجر أقلام الخطوط التي تبرى وتقط وفق مقاييس معينة لكل نوع من الخطوط كما أسلفت.. وأدعو الله للجميع بالتوفيق للاهتمام بالخط العربي وأداته، إنه ولى ذلك والقادر عليه.
=======
* محمد محمود رطيل| المستشار الفني لمكتبة الإسكندرية- أستاذ الخط العربي وتاريخه بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية