يعتبر الخط العربي من الفنون الإسلامية أول وليد لا يدين بالكثير للفنون التي سبقت الإسلام، فقد عرف الخط العربي قبل عصر النبوة بعدة قرون، وكان يستعمل في المعلقات وفي الأسواق الأدبية التي كانت تقام في مواسمها المشهورة، وتعايش مع الخطوط الأخرى كالحميري وغيره.
وعند ظهور الإسلام تزايدت الحاجة إلى تدوين كلام الله، استخدم العرب المسلمون الخط الكوفي المأخوذ عن عرب العراق، في تدوين الآيات القرآنية، والنصوص الدينية خاصة في المدن العربية الأولى (مكة والمدينة) فقيل لذلك الخط المكي والمدني.
وبعد انتشار الدعوة الإسلامية خارج الجزيرة، وخاصة عند تخطيط مدينتي البصرة والكوفة بين عامي (14- 19هـ) تحولت حضارة الإسلام من المدينة إلى الكوفة، وانتقل الكثير من المسلمين إلى العراق، فعرفت كتاباتهم في ذلك الوقت (بالخط الحيري).
وقد بذلت العناية بتجويد الخط الكوفي في مدينة الكوفة، وقد نافسها في ذلك مدينة (البصرة) أيضاً، فتعددت صوره، وغدت له مسحة زخرفية خاصة به وطغت شهرته على غيره من الخطوط التي استخدمت في الكوفة، وشاعت فيها فاستأثر وحده بإسمها حتى لكأنما لم تنتج الكوفة خطاً غيره.
وقد ذكر في (صبح الأعشى): “إن الخط الكوفي يرجع إلى أصلين هما التكوير والبسط، أي اللين والمزوي، وعلى ترتيب هذين الأصلين الأقلام الموجودة الآن”.
وعلى هذا يفهم بأن الخط الذي عرفته الكوفة كان ينحدر من النوع المكور ـ الذي تكثر فيه التدويرات-، وهو الخط الذي رافق الخط المبسوط المعروف بـ (اليابس) والمتميز بأن زوايا حركات قلمه ظاهرة.
وقد تفنن الخطاطون العرب في كتابة الخط الكوفي ونمقوه بالذيول والنقط حتى أصبح تحفة فنية ذات روعة وجمال، واستخدم العرب مثل هذه الخطوط الفنية الرائعة للزخرفة والتزيين، وبلغ الخطاطون الفنيون منزلة عالية لم يصلها أي فنان آخر في ديار الإسلام؛ من أشهرهم الريحاني ـ ابن البواب ـ ياقوت المستعصمي وغيرهم.
وذكر “أبو حيان التوحيدي” في رسالته (علم الكتابة): “إن قواعد الخط الكوفي –أنواعه- في زمنه اثنتي عشر قاعدة هي: الإسماعيلي، المكي، المدني، الأندلسي، العراقي، الشامي، العباسي، البغدادي، المشعب، الريحان، المجود، المصري”. ثم أضيفت إليها فيما بعد أسماء أخرى. وكل هذه التسميات تسميات إقليمية ليس بينها فروق خصائص، وكلها فروق تمييزية لأسماء الأقاليم الخاصة بها.
وإذا تتبعنا تطور الكتابة الكوفية في مصر، خاصة الموجودة على الآثار الإسلامية منذ العصر العربي حتى نهاية عصر المماليك؛ نشاهد تطوراً في شكل الحروف وزخرفتها.
ففي العصر الطولوني وماقبله استخدم الخط الكوفي البسيط الخالي من التواريق، ويلاحظ ذلك في اللوحة التذكارية لتاريخ إفتتاح المسجد الطولوني ومحرابه.
أما في العصر الفاطمي فقد ظهرت نماذج رائعة من الخط الكوفي غنية بزخارفها النباتية والذي عرف (بالخط الكوفي المورق أو المشجر) لاعتمادها على التزيين التوريقي، فتارة تخرج من أطراف الحروف سيقان نباتات ذات الأوراق الصغيرة، وتارة تكون الكتابات على أرضية تكسوها الزخارف النباتية، وقد تكون تلك الكتابات تاريخية أو آيات من القرآن الكريم.
وتشاهد الكتابات الكوفية الفاطمية الجميلة على آثار تلك الفترة مثل الجامع الأزهر ومسجد الحاكم والأقمر والصالح طلائع وباب النصر وباب الفتوح خاصة على المحاريب والعقود ومربع القباب.
واستمر استعمال الخط الكوفي المشجر في العصر الأيوبي في كتابة الآيات القرآنية فقط فوق العناصر المعمارية الجصية التي أنشئت في ذلك العصر، مثل: المدرسة الناصرية والكاملية والصالحية وضريح الإمام الشافعي. أما في العصر المملوكي فقد تأثر الخط الكوفي بالأساليب الفنية الزخرفية التي كانت متبعة في العصور السابقة، ولكن هذه الأساليب تطورت، حيث برزت رشاقة الحروف وتناسق أجزاءها وتزيين سيقانها ورؤسها ومداتها وأقواسها بالفروع النباتية والأزهار، كما تم زخرفة أرضياتها بتكوينات زخرفية متنوعة، وهذا ما نشاهده في آثار هذا العصر ومنتجاته الفنية الذي يعتبر العصر الذهبي للعمارة والفنون الإسلامية في مصر، مثل: مسجد الظاهر بيبرس، ومسجد السلطان الغوري، ومسجد السلطان حسن، ومسجد الأقمر، والصالح طلائع، ومدرسة السلطان برقوق، والكثير من الأسبلة، كما نلمس عند دراسة الخط الكوفي على آثارهم وحرفهم دقة وسلامة الذوق، وسعة الخيال في إبداع كتابته المتداخلة الجميلة.