الخط الكوفي: كانت كل النسخ من المصاحف السابقة للقرن الرابع الهجري مكتوبة بهذا الخط الذي جوده كتاب الكوفة.
أما عن خصائص الخط الكوفي؛ فيمتنع بدء الحروف بنقطة (كالألف واللام- الواو- الراء). كما يمتنع أيضاً التجليف، والتجليف هو البدء في الحرف بسن القلم كبدء الواو والفاء والقاف في خط الثلث. ويمتنع أيضاً التشظية في (الفاء- الواو- الميم) والتشظية هى إنهاء نهاية الحرف دقيقاً رفيعاً. ويمتنع الترويس في (الألف والباء والجيم والدال والراء والطاء والكاف واللام) والترويس هو بدء الحرف بنقطة بعرض القلم. كما يمتنع طمس عقدة (الصاد والطاء والعين والغين والقاف والميم والهاء والواو واللام ألف) وعدم الطمس أن لا تكون عمياء الفتحة. وخاؤه لا ترقق (أي لا تجمع عراقتها وهى كأسها الأسفل) من خلاف، فهي تختلف عن الخاء المجموعة الرأس والكأس الثلثية، وجيمه لا تعرق أي لا تكون لها عرقاة من أسفلها كالجيم في خط الثلث، وليس للهمزة في هذا الخط صور بل إنها لا تثبت قط، ولكنها تثبت على السطر كما في كلمة السماء.
وللخط الكوفي أسماء عدة وهى: المورق- المزهر- المنحصر- المعشق- المضفر- الموسع.
الخط النسخ: سمى بهذا الاسم لأن الكتاب كانوا ينسخون به المؤلفات، أما عن اشتقاقه؛ ذهب فريق بالقول بأنه اشتق من الخط الكوفي، وفريق يقول بأن الشيخ حسن البصري هو الذي نقل الكوفي إلى النسخ. وتمتاز حروف النسخ باللين والمطاوعة، ولا تزال تستخدم حتى الآن في أغلب الصحف والكتب والمجلات. فلقد أخذ الخط النسخ يرتقى سلم التطور عما رأيناه في المخطوطات القديمة حتى بلغ الذروة في العصر الحديث. ومن خصائص خط النسخ:
– حرف الألف المفرد والألف المركبة (لا ترويس في رأسها) والألف المركبة في نهايتها نقطة لليمين أو لليسار أحياناً.
– حرف الدال والذال يختلف عن الثلث في الرسم.
– حرف العين والغين الشبه مربعة مطموسة.
– حرف الفاء والقاف يختلف رسم استدارة الرأس فيهما قليلاً في موضع العنق وترسم مثل النون.
– حرف الكاف المفردة تكون مُروسة والكاف المبتدأة تُروس إذا كانت صاعدة الألف.
– حرف اللام المفرد يضاف إلى رأسها شظية نازلة دقيقة.
– حرف الواو لا يطمس، وعراقته كالراء.
– حرف الهاء الأخيرة لا تختلف عن التاء المربوطة في الثلث كثيراً.
– حرف اللام ترسم على صورتين وراقية ومحققة.
خط الثلث: هو خط متطور عن خط النسخ، وسمى كذلك لأنه في حجم يساوى خط النسخ الكبير الذي كان يكتب به على الطومار. والطومار هو الملف المتخذ من البردى أو الورق، وكان يتكون من عشرين جزءاً يلصق بعضها ببعض في وضع أفقي، ثم يلف على هيئة أسطوانية، وكان الملف يسمى بالطومار ويكتب عليه بخط نسخى كبير عرف بخط الطومار، ومنه اشتق خط الثلث الذي يسمى بأم الخطوط، وكتابته تحتاج إلى إجادة تامة، إذ أنه أقل القليل في الليونة واليبوسة تعد خطأ فادحاً في كتابته، ولكبر حجمه تظهر هذه العيوب جلية إن لم تكن مكتوبة بإجادة تامة، ولا يعد الخطاط خطاطاً إلا إذا كان مجوداً له، فهو مقياس الخطاط على مر العصور.
وأول المبدعين في هذا الخط إبراهيم الشجري الذي استنبط من خط (الجليل) الثلث والثلثين، ثم جاء ابن البواب والمستعصمي والمدارس التي تلتهم وكانت مجودة لهذا الخط، ويعد الأستاذ حامد الآمدي قدوة تحتذى في هذا الخط خاصة.
الخط التعليق: لقد كان للحضارة العربية الإسلامية الفضل في تغيير الأحرف التي كان يكتب بها الفرس قبل الفتح لأنهم كانوا يكتبون بالخط البهلوي أو الفهلوى نسبة إلى “فهلا” الواقعة بين همدان وأصفهان وأذربيجان فأبدلوه بالخط العربي بعد الفتح العربي لبلادهم.
وقد اشتق الفرس هذا الخط من قلم “القيراموز”، وكان من الأقلام التي استنبطت نتيجة المزاوجات لبعض الأقلام مثل قلم السلواطي وقلم السحلي وقلم الراصف وقلم الحوائجى.
الطغراء: يقال إن كلمة الطغراء أطلقت على شارة استخدمها بعض حكام المسلمين، ومنهم سلاطين مصر والمماليك، وكان منهم محمد بن قلاوون سنة 752هـ، وقيل أيضاً إن هذه الكلمة تتارية الأصل تحتوى على اسم الحاكم ولقبه. ومن الذين استعملوها السلطان مراد الأول (761-792هـ) وذكر في كتاب (تور كلرده ديني سملر) لرسم الطغراء قصة تفيد بأنها شعار قديم لطائر همايوني أسطوري كان يقدسه سلاطين الأوغور، وقد ذُكِرَ أن كلمة “طغرل” جاءت بمعنى ظل جناح ذلك الطائر الذي يشبه العنقاء. وقد ظلت الطغراء مستعملة في مصر حتى دخلها العثمانيون، فانتقلت معداتها إلى خزائن العاصمة استانبول مع المصاحف والمخطوطات، وهى موجودة حتى الآن في متحف (طوب قبو) بتركيا. وتطورت الطغراء بمرور الزمن على أيدي خطاطي الدولة العثمانية حتى وصلت إلى شكلها الأخير الذي بلغ ذروة الجمال في التنميق والإبداع، ويعد رسم الطغراء من الأشياء غير اليسيرة في الخط العربي.
وتتكون الطغراء من خمسة أجزاء:
1- السراة: وهى بمثابة قاعدتها أو الكرسي (الجزء الأسفل منها): وهو الذي تبدأ منه كتابة النص المراد وضعه داخل الطغراء، وله شكل كمثرى، بيد أن شكله في المرحلة الأولى كان يذهب للاستطالة، ثم تطور حتى وصل إلى صورته الحالية.
2- بيضة الطغراء: وتنقسم إلى جزئين؛ بيضة داخلية وبيضة خارجية، وهما ناتجتان من كتابة (خان) و(بن) وذلك في المرحلة الأولى، ثم ثبتت على هذا الشكل وقليلاً ما استخدمت البيضة الخارجية في النص، وغالباً ما تستخدم البيضة الداخلية في نون الرحمن عند كتابة البسملة، أما عن جهتها فهي دائماً من الجهة اليسرى على أن تحتفظ بشكلها البيضاوي، ودائماً ما كان يقطع شكل البيضتين الراء في كلمة (المظفر)، وهى كانت في المراحل الأولى كدعاء للسلطان بالنصر والظفر، ثم أصبحت عند كتابة البسملة يقطعها ميم الرحيم أو عظيم في كتابة آية (لعلى خلق عظيم).
3- الطوغ: وهو ينقسم إلى ثلاثة أجزاء؛ الأيمن والأوسط والأيسر. فنجد أن الطوغ الأوسط أقصر من الطوغ اليمن بمقدار نقطة واحدة، والطوغ الأيسر أقصر من الطوغ الأوسط بمقدار نقطة واحدة، مع الاحتفاظ بتوازي الثلاثة طوغات مع الميل جهة اليسار بمقدار نقطة أو أكثر، على ألا يزيد الميل عن نقطتين حفاظاً على جمال التكوين، ثم يخرج من كل طوغ زلف وأيضاً متوازيين ومتجهين جهة اليمين.
4- قول: وهو ذراعا الطغراء الذى يتكون من طوغ علوي وطوغ سفلى، والطوغ العلوي دائماً مائلاً إلى اليمين بمقدار نقطة بشكلهما هذا مع النزول إلى أسفل على شكل خطين متوازيين أيضاً.
5- المخلص: وهو يعد ثانوي، حيث أنه الشكل الدائري الذي يكتب على الجانب الأيمن للطغراء، وكان في السابق يكتب فيها الغزى، ثم بعد إدخال الآيات القرآنية في الطغراء أصبح يكتب بداخلها البسملة.
ويعد الخطاط مصطفي راقم من المبدعين في كتابتها، وكذلك الخطاط (حقى طغراكش)، والذي يلقب عند الأتراك بـ(حقى الطغرائى)، ويروى عن حقي أنه كان أول ما يبدأ كتابته أول تدريبه اليومي كان كتابة الطغراء، وكذلك الخطاط الفذ حامد الآمدي، وغيرهم.
خط الرقعة: تنوعت أسماء خط الرقعة في المصادر التركية، فأسماه بعضها (قرمة رقعة سي) أي الرقعة المكسرة، وسمى كذلك (باب عالي رقعة سي) ومعناه رقعة الباب العالي في استانبول. وطريقة كتابة الرقعة ليس فيها زخرفة إلا في انتهاء بعض الحروف بتحسين نهاياتها برأس القلم. ومن القواعد اللازمة لخط الرقعة أن تكتب على ميزان خطين وهميين على شكل أفقي، وعند البدء بالكتابة ترسم نقطة بعرض القلم الذي تكتب به السطور، ثم البدء بحرف الألف، ويختلف عن البدء في حرف (الجيم/ الصاد/ الميم/ الواو) فلكل هذه الحروف اتجاه خاص للبدء، وللحروف المركبة أوضاع لا يلم برسمها الكاتب ولا يتفهمها بأسرارها إلا تعلماً من أستاذه، إذ منها ما تبدأ من اليمين إلى اليسار، ومنها بالعكس، ومنها من فوق لأسفل، أو من أسفل إلى أعلى صعوداً وتقويساً، ويكون طول الألف ثلاث نقط من نقط القلم الذي تكتب به.
ومن أهم دعائم كتابة الرقعة الحرص على هيئة تلاحق الحروف والكلمات بنسبها الأصلية كما رسمت في ميزان النقط الدالة على مساحاتها مع مراعاة التشبيه والتماثل في المشتق المستمر على السطور المكتوبة في نماذج خط الرقعة الجيدة. ومما يجب في الكتابة أيضاً أن يكون القلم في يدك مائلاً للخلف المتباين بالنسبة للكف والأنامل التي تمسك القلم، وذلك لإظهار اتجاه إمالة القلم في سيره لإخضاع رسم الكلمات في سطرها على نسق ووتيرة واحدة، وليكن في منتصف النقطة الموهومة التي تعتبر مبدأ لسطر الكتابة على المستوى الأفقي للسطر، وتكون وضعية رسم النقطة على هيئة رأسية كالمُعين شكلاً بحسب قطة القلم المائلة، ولما كان هذا الخط مدار الاعتماد في ثقافتنا وجب علينا تجويده تجويداً كاملاً.
خط حرف التاج: ابتدعه الخطاط محمد محفوظ الخبير الفني بالمحاكم في عهد الملك فؤاد، وسميت بحروف التاج لأن الفكرة كانت فكرة صاحب التاج ملك مصر الأسبق (فؤاد). وهذه افشارة كأنها (لام ألف) مقلوبة مقوسة وموضعها فوق رأس الحرف على غرار الحروف الكابيتال في الإنجليزية، وذلك ليهتدي القارئ لما ترمى إليه الجمل أو الكلمات، وقد رجح استعمالها في حروف خط النسخ لأنها أجمل وقعاً عليه من سائر الخطوط الأخرى.
مجلة أمواج سكندرية العدد الثاني عشر أكتوبر 2002