تعتبر الخطوط الوهمية مهمة جداُ للخطاط عند البناء التصميمي للتراكيب الخطية. وللتعرف عليها ومعرفة أهميتها، بنيت الموضوع على لوحة خطية للمرحوم الخطاط هاشم محمد البغدادي (صورة رقم 1).
تحتوي اللوحة على تركيبة ذات مستوى واحد من الكتابة تحمل (يا غالب غير مغلوب). نظمت مفردات هذه التركيبة على شكل سطر متسلسل ومتتابع بشكل مباشر بعضها مع البعض الآخر، وبصورة لا تؤثر في شكل الحرف من الناحية الجمالية كما في حرف (الغين) (فك الأسد) من كلمة (غالب) واتصالها بشكل متراكب مع حرف الألف من مقطع (يا)، وكذلك اتصال حرف الغين الأخرى في كلمة (غير) مع حرف (الألف) الذي يسبقها في كلمة (غالباً)، واتصال حرف الراء المدغمة مع حرف (الميم) المحققة، وكذلك (الواو) المجموع مع حرف (الباء).
ومن خلال متابعة الكلمات والحروف نجد إن الاتصال قائم بصورة فنية تم دراستها مسبقاً. إذ عمد الخطاط فيه إظهار الجانب المهاري والجمالي في آن واحد فضلاً عن الجانب الوظيفي الذي يعمل على تأدية الوظيفة القرائية لما فيه من سهولة المقروئية ووضوح الكلمات الخالية من التراكيب المعقدة.
فهذه الصفة لا تستند إلى التعقيد كما هو الحال في التراكيب الثقيلة ذات المستويات المتعددة. لذلك عمل الخطاط/ المصمم بتوظيف هذا النوع من التراكيب في مجال الطباعة وكتابة أسماء الكتب والمصاحف الشريفة فضلا عن واجهات المساجد والمراقد الدينية الأخرى. نبدأ بدراسة هذه اللوحة من خلال تحليل المقومات البنائية الأساسية لها ويتضح ذلك عندما نرسم ثلاثة خطوط أفقية وهمية تمتد بشكل أفقي من بداية التركيب حتى نهايته وبصورة مستمرة كما في الصورة رقم (2).
– الخط الأول: يقوم هذا الخط بربط نهايات الحروف الصاعدة والتي بدت بمستوى واحد ذو انتصابة واستقامة ترتكز على خط القاعدة أي الخط الوهمي الثاني. إذ يمثل هذا الخط مقياس صعود الحروف الممتدة إلى الأعلى، فضبط نسب تلك الحروف من أهم خصائص الحروف الصاعدة في التراكيب الشريطية أو السطر الكتابي ذو المستوى الواحد.
– الخط الثاني: يمتد هذا الخط من بداية التركيب عند حرف (الياء) مروراً بالكلمات والحروف المستقرة على خط القاعدة حتى حرف (الباء) في نهاية التركيب، وترجع أهمية هذا الخط بكونه القاعدة الأساسية التي يرتكز عليها الشريط الكتابي، كما يمثل مركز ثقل لكلمات وحروف التركيب بشكل أفقي على مستوى واحد. إذ يتساوى فيه حجم الحروف الأفقية مع ارتفاع الحروف الصاعدة وكتلها الخطية الباقية.
فمن هذا الجانب يتضح لنا أن الخطاط ارتكز بالأساس لتوزيع الثقل على ثلاث مناطق أو دوائر وهمية تتخللها فواصل (مدات وسحبات) بينها. فعندما نرسم ثلاث دوائر حول مراكز الكتل الخطية يتضح لنا ثقلها وطريقة توزيعها بشكل منظم ومدروس. كما في الصورة (رقم 3).
وبذلك يتضح لدينا كيفية توظيف استقرار المدات المستحسنة للحروف المتصلة (حرف الباء) و(حرف الغين) وارتكازها على الخط الوهمي (رقم 2) بصورة مستقرة وثابتة. وأحدث ذلك نوعاً من التوازن اللاشكلي بين تلك الدوائر الثلاث التي عملت فواصل أو فترات استراحة للثقل أو حلقة وصل ما بين تلك الدوائر.
– أما الخط الثالث: فيوضح طريقة وصل نهايات الحروف النازلة (الواو المجموع) في كلمة مغلوب وامتدادها الأفقي مع بقية الحروف الأخرى. ونظراً لعدم وجود حروف نازلة بشكل متوازن على كفتي التركيب لذا حرص الخطاط على معالجتها بوضع نقاط حروف (الياء والباء ) لترتكز على الخط الوهمي للحروف النازلة، وهذا الأمر أحدث التوازن مع حرف (الواو) على الخط الأفقي الوهمي الممتد (رقم 3) كما حافظ على المحيط الكفافي للتركيب.
وعلى ضوء ذلك يمكن أن نستخلص أن الخطين الأفقيين (1، 3) يعدان بمثابة المحيط الكفافي للتركيب العام.
أما من حيث الفضاءات الناتجة للحروف الصاعدة فقد تم معالجتها بعلامة الفتحة المشددة والتي أخذت اتجاها بزاوية (20) والتي هي درجة ميلان القلم لتتوافق مع درجة ميلان الفتحة الأخرى التي تقابلها بالامتداد الأفقي. بالإضافة إلى ذلك فإن الوحدة في اتجاه الحروف الصاعدة اتخذت درجة (70) في (اللام ألف) وظهر ذلك واضحاً في عموم التركيب. وقد عملت الوحدة والتنوع في موازنة الاتجاهات للحروف الصاعدة مع الحروف الأفقية مع العلامات الإعرابية على خلق نسيج ذا إيقاعين أحدهما أفقي والأخر عمودي مما يستوفي مهمة المحيط الكفافي للتركيبة بصورة وهمية حتى لو لم يتحقق الإغلاق الشكلي لها.
ويمكن أن نستدل على عملية تفصيل خصائص خط الثلث والعلاقات التصميمية باستخدام الوحدة والتنوع في آن واحد ولنفس الحرف، كما هو الحال في حرف (الغين) التي ظهرت بشكل (فك الأسد) في كلا الكلمتين فحققت وحدة من حيث شكل الحرف وتنوعاً لموقعه وظهوره بهيئة مختلفة في كلمة (مغلوب) كما في الصورة رقم (4).