خلصت الندوة الفكرية المصاحبة لملتقى الشارقة للخط في دورته الخامسة، التي عقدت، أخيراً، في متحف الحضارة الإسلامية في الشارقة تحت عنوان «كونية الحرف»، بعدد من التوصيات التي لامست واقع الخط، وكونية الحرف العربي كمفهوم والاصطلاحات البصرية المواكبة للنتاج الحروفي، والعلاقة بين جسد الحرف والأطر الفلسفية المرتبطة، إضافة إلى الحرف العربي من الرسوخ إلى التحرر والتطور اللصيق بإنماء الحرف بصرياً. وأكدت التوصيات ضرورة تطوير الحرف العربي في البرامج الرقمية، إضافة الى إصدار معجم للأعمال الحروفية.
وأجمع المشاركون في الندوة التي استمرت يومين، على ضرورة نشر الأبحاث المشاركة في الندوة في كتاب تخصصي، وتعميق الدراسات الخاصة بتطوير الحرف العربي ضمن البرامج الرقمية، والعمل على تعميق الصلة مع طلاب الجامعات والمختصين، عبر إقامة الندوات بالشراكة مع الكليات والجامعات المعنية، فضلاً عن تعميق الصلة مع الباحثين الأجانب، ومد جسور التواصل مع المؤسسات الخارجية.
وشدد المشاركون على أهمية تبني وإنتاج معجم يضم الأعمال الخطية، مع التركيز على المبدعين في مجال الخط العربي، وتخصيص جلسات نقاشية تضم المكرمين من المهتمين بالخط والذين شاركوا ضمن الدورات السابقة للملتقى، وذلك للاستفادة من تجاربهم وتبادل الخبرات، إضافة إلى العمل على إعادة الاعتبار إلى الخط العربي في المدارس، والدعوة إلى تدريس الخطوط في الكليات والمعاهد التخصصية، كما طالبوا بإصدار كتاب خاص يتضمن الأعمال الخطية الإبداعية، مع النظر في زيادة جوائز الملتقى وتصنيفها وفق اشتراطات جديدة تـتلاءم مـع التطـور الحادث فـي الفنـون.
واستطاع الحرف العربي بهيبته الراسخة وتحرره اللانمطي أن يجد السبل الجمة للدخول إلى حيز التشكيل، انطلاقاً من اللوحة التقليدية وصولاً إلى فنون الصورة الضوئية والمتحركة ببعديها الثنائي والثلاثي، الأمر الذي خلق علاقات متلاحقة في ما بين الحرف والتشكيل، إذ يمكن وصف هذه العلاقة في أبعادها بالكونية.
وجاء طرح موضوعة «كونية الحرف» للبحث العلمي والممارسة التنظيرية ضمن الملتقى الفكري المصاحب لبينالي الخط في الشارقة، مواكباً لأهداف الملتقى في دعم تلك النوعية الحاصلة بين إنتاج الفنون، وما يرتبط بها من علوم تحليلية وتكشفات فلسفية، وإسهامات نظرية قادرة على التوثيق والرصد والنقد وتقديم معادلة فكرية.
سيمولوجية الحرف
ناقش الدكتور في فلسفة الفنون، أشرف عباس، في الندوة الفكرية سيمولوجية الحرف العربي بين الشعور بالحرية والانتماء الكوني وأزمة التحديث والرقمنة، وأكد أن «حروف الكتابة في الحضارات القديمة علامات لأشكال واقعية مثل الفرعونية، كما توجد حتى الآن في اللغتين الصينية واليابانية أحرف ترمز إلى الشمس، وإلى شكل الرجل، إذ إن بداية اللغة كدلالة بصرية تحمل معنى لغوياً، أما إشكالية الخط العربي المعاصرة فإنها تعزى إلى محاولة العودة به إلى الفنون التشكيلية المعاصرة من خلال اللوحة، أي أن يلعب الخطاط دور التشكيلي، أو أن يتقمص التشكيلي دور الخطاط، وهي جدلية كبيرة من حيث المفهوم والدور الوظيفي والمنتج».
وتابع أن «هناك محاولات تعطي الخط بعداً تشخيصياً فتطوعه ليخدم لوحة التصوير، وفي اعتقادي كانت هذه الظاهرة واحدة من مظاهر تردي الخط العربي منذ قرون عدة، فالخط ،أساساً، هو الصورة في المطلق، لأنه يقوم على نظام بنية مظاهر الوجود، ويقوم الخط، في أبسط شروطه، على التوازن بين خط أفقي وآخر عمودي، وعلى توازن بين انحناء واستقامة، وتوازن بين تفتح وانغلاق، وتوازن بين انبساط وانقباض، وتوازن بين اتساع وضيق».
التكوين الخطي
تطرق الباحث والخطاط العراقي، ثائر الأطرقجي، الى السمات الجماليـة لشكل الحرف العربي في التكوين الخطي، وقال إن «الخطاط عليه أن يبرز جمالية الحرف والكلمة وهيئة التكوين، كما يجب أن تكون وفق تصوره واجتهاده، على ألا يخرج عن قواعد الحرف ونسبته القياسية، فيسمو عمله الفني، ويستدل على ذلك من الاجتهادات الفنية التي يبتكرها الخطاطون في تكوين لوحاتهم».
وقال ان «القيمة الحسية المرتبطة بالإحساس الجمالي، هي التي تتميز عن القيم الجمالية الموضوعية التي يضيفها الفرد للأشياء، وذلك لأسباب موضوعية، وتتسم هذه القيم بعدم ثبوتها وتفاوتها من حيث عملية التلقي، لذا فإن الإنتــاج الفني ( لوحة خطية) يمكن أن تحمل أكثر من قيمة جمالية مختلفة ومتفاوتة بحسب الأهمية، تبعاً لنوع وطبيعة الجوانب المتعلقة باهتمام المتلقي».
وأكد أن «الإحساس الجمالي عند النظر إلى لوحة خطية معينة ظاهرة غير مستقرة لاسيما في عملية الانجذاب وآلية استغلالها، فهي ذات مجال واسع وترتبط بمحددات، بحسب وجهة نظر المتلقي، وذلك باختلاف الخبرات بين الخطاطين، وتباين الأحكام الجمالية لديهم، على اعتبار أن الخبرة الجمالية هي مهارات وحصيلة معرفية للخطاط نتيجة التدريب والاحتكاك مع نخبة من الأساتذة الخطاطين، والاستجابة لتوجيهاتهم الفنية، لذلك فإن جمالية هيئة الحرف تكتسب قيمتها الشكلية والجمالية لدى الخطاط اعتماداً على التجربة السابقة».
قصور «الحمراء»
أوضح أستاذ تاريخ الفن في جامعة غرناطة، الدكتور خوسيه ميغل، ضمن محور قصور الحمراء «عمارة خطوط.. شكل ومعنى»، أن «العلاقة بين الخط العربي والعمارة تبلغ ذرواتها المميزة في قصور الحمراء المبنية في غرناطة بين القرنين الـ13 والـ15 الميلاديين، إذ إنها عمارة نصوص وخطوط بامتياز، حيث يندمج الحرف في التخطيطات الزخرفية وينظمها، بل يشكل هيكل البناء نفسه ويشيده».
وتابع أنه «لو افترضنا أن العناصر المعمارية تلاشت تماماً، وتخيلنا الخطوط الكوفية واللينة المتعددة الأنماط باقية في محلها، لرأينا عمارة كلمات قائمة بذاتها، مع ابوابها ونوافذها وحيطانها وسقوفها، بالاعتماد على صور ورسوم متحركة للنماذج الرئيسة من كتابات الحمراء، إذ تتكون هذه العمارة الحروفية ويتحول الخط العربي فيها إلى أشكال معمارية متنوعة، بمثابة مبانٍ مثالية مصغرة تظهر فيها الأشجار والأزهار والأعمدة والأقواس، إذ يمكن القول إن الحمراء هي العمارة الأكثر شعرية، وإن شعرها غدا الشعر الأكثر عمارةً وصورةً ومعنى».
المصدر: سوزان العامري – الشارقة – موقع الإمارات اليوم – 05 أبريل 2012