لم يحظ هذا الخط بالاهتمام الذي نالته أنواع الخطوط العربية الأخرى، واختلف هذا من موقع جغرافي لآخر داخل الوطن العربي أو خارجه، ولم نكد نلمس اهتمامًا به على مستوى وضع أسسه وقواعده التي تفصل بين الغث فيه والسمين، أو يتم القياس على أساسها بين ممارسات عشوائية أو عمل جيد يخضع لمعايير منضبطة.
ولما كان الخط الكوفي التربيعي هو خط هندسي بالأساس، الذي جعله يتبع الخط العربي من ناحية، وفي ذات الوقت يتبع تخصص التصميم الجرافيكي من ناحية أخرى، ومجال الزخرفة الهندسية الكتابية من منظور ثالث، ومع خصوصيته الشديدة، نراه تارة يتأثر بهذا أو ذاك، مما ينعكس على طرق معالجته، سواء في التركيبات واتصالات الحروف ببعضها أو ضبط التكوين العام، وانسجامه مع المشهور من أسس ومبادئ التصميم، للقدر الذي تراه أحيانًا يركز على موضوع المقروئية، ثم ينطلق في رحاب أوسع نحو التكوين الزخرفي الجمالي.
أغلب الخطوط العربية شبه معروف روادها ومن وضعوا موازينها، وحتى بعض الخطوط الكوفية الأخرى، ربما نجد تمتعها بقدر كبير من القواعد ورسم الحروف ويعرف لها رواد بأسمائهم، يستثنى من هذا الخط الكوفي التربيعي.
ورغم انتشار مثل هذا الخط في العديد من الآثار والبنايات باستخدام الطوب المحروق أو الآجر ونحوه، إلا أننا نفقد هذه الصلة بين هذه التكوينات الموجودة وبين مصممها أو الخطاط الذي أسند إليه أمر كتابتها، وربما كان بعضها من صنع مقاولين أو غيرهم، إذ تتباين فيها درجة جودة الأثر ومحتواه من تكوينات وحروف.
في مجموعة وصفحة (حروف كوفية)، وعلى مدار عدة سنوات، من خلال فريق عمل جاد، تم التركيز على هذا النوع من الخطوط ضمن اهتمام عام بالخط الكوفي، مصادرنا في ذلك: دراسة الصحيح من الآثار الموجودة، والبحث في بطون الكتب والدراسات التي تحدثت عن هذا الخط والرسوم المصاحبة بها، ومن خلال التعرض لآلاف اللوحات السابقة واللاحقة، والتواصل مع المهتمين بهذا النوع من الخطوط فكرًا وتعليمًا أو تصميمًا – نثمن بذلك كل الجهود المبذولة في هذا الصدد ممن تواصلنا معهم وإمدادهم لنا بالمعلومات المتوافرة – فضلًا عن الممارسة الفعلية لهذه التصميمات والتعرف عن كثب لتفاصيلها واحتياجاتها، ومحاولة الموازنة بين فترة ما قبل الإعجام وما بعدها، حيث تمثل النقاط عاملًا مستحدثًا أيضًا يؤثر على بنية تراكيب الكلمة ومقاطعها والحروف والتكوين.
وتلخصت هذه الجهود في البدء برسم الحروف الأصلية، واستخلاص المبادئ العامة الأساسية التي يفترض فيها إجماعًا بين كل المهتمين، والتي يتمحور حولها كل مجالات الاهتمام بهذا الخط، من خلال دراسة القواعد الخاصة برسم الحروف وحالاتها المختلفة وتراكيبها وتشريح الحروف، ودراسة تحليلية لآثار هذا النوع من الخطوط، والتطرق إلى الأخطاء الشائعة في التصميمات الحديثة، وإيجاد صياغة مناسبة وتوصيف للمسارات المختلفة التي تشتمل عليها هذه التكوينات، واستعراض الاتجاهات الحديثة في توظيف الخط الكوفي التربيعي في مجالات عديدة وبطرق معالجة مختلفة عن ذي قبل وتخصصات أخرى، فضلًا عن توفير مكتبة كبيرة من الكتب والبحوث والمقالات المتخصصة في الخط الكوفي، وعمل معرض للتصميمات يشتمل على كوكبة من الفنانين والمبدعين في تصميمات الخط الكوفي التربيعي قديمًا وحديثًا ضمت مئات اللوحات المنتقاة كنوع من التغذية البصرية وإدراك التنوع الفني والمعالجة المختلفة لكل أسلوب، حيث مثلت هذه الجهود وغيرها الجمع بين أصالة هذا الخط وعراقته، والبحث في النواحي الإبداعية والجمالية بغية التطوير والتحديث وإفادة الخطاط والمصمم العربي في الإلمام بالجوانب الهامة والمساعدة في إنتاج أعمال فنية متقنة.
ومع تمحور الخط الكوفي التربيعي حول موضوع المبادئ ـ كما أسلفنا ـ لأنها من الأهمية بمكان، ولا تتوافر بشكل مجمع إلا معلومة متناثرة هنا أو هناك، آثرنا أن يكون هذا المقال مخصص لها، على أن يتم استعراض الإصدارات والتخصصات الأخرى آنفة الذكر ذات العلاقة المباشرة بالخط الكوفي التربيعي في مقالات قادمة إن شاء الله.
لمزيد من المعلومات|