الخط العربي حقيقة هو فخر حضارة العرب، ورمز تراثنا الإسلامي، وهو وسيلتنا لامتداد ثقافتنا منذ أقدم العصور. به كتبت آيات القرآن الكريم كلام الله العظيم.
وقد تنافس الخطاطون في كتابته وتجويده باعتباره من أهم أعمدة خدمة الدين الإسلامي، وكان كثير من الخطاطين الأوائل لا يكتبون الآيات القرآنية إلا إذا كانوا على وضوء متجهين إلى القبلة كأنهم في صلاة. وقد جمع أحد الخطاطين قصاصات الأقلام الغاب في أواني ولم يلقها على الأرض تنزيهاً لها لأنه كتب بها آيات من القرآن الكريم.
نشأة الخط العربي
يذكر صاحب “المطالع النصرية” أن الحافظ السيوطي قال في كتاب الأوائل وكذا في المزهر في الجزء 42 أنه: “يروى أن آدم عليه السلام أول من كتب الكتاب العربي والسرياني وسائر الكتب الإثنى عشر، وأن الكتابات كلها من وضعه، كان قد كتبها على طين وطبخه يعنى أحرقه ودفنه قبل موته بثلاثمئة عام، وبعد الطوفان وجد كل قوم كتاباً فتعلموه بإلهام إلهي، ونقلوا صورته واتخذوه أصل كتاباتهم، وفى رواية أخرى: أن أول من خط العربية إسماعيل عليه السلام، وأن حروفه كلها كانت متصلة حتى الألف والراء، بعكس الحميرية، إلى أن فصلها من بعد ولداه قيدار والهميسع، وقيل أخنوخ وهو إدريس عليه السلام”. (1)
وقيل أن أول من كتب بالعبرانية هو موسى عليه السلام وبالعربية هو إسماعيل عليه السلام. وقيل إن أول من كتب هو سليمان بن داود عليهما السلام. وفى السيرة لابن هشام أن أول من كتب الخط العربي حمير بن سبأ عَلِمَه في المنام. (2)
وكل هذه الروايات تفتقر إلى الدليل وليس لها سند من العلم أو التاريخ. ويرى العرب أن الخط العربي ينحدر من المسند أي أنه نشأ في الجنوب (اليمن)، بينما يرى بعض المستشرقين أنه اشتق من الخط النبطي الذي انحدر من الآرامي أي أنه نشأ في الشمال في بلاد النبط. ويرجح هؤلاء المستشرقون أن الخط العربي نشأ ونما بين عهد نقش النمارة (328م) ونقش زبد (512م) وحران (568م) أي في القرنين الرابع والخامس للميلاد.
انتشار الخط والكتابة
يقول البلاذرى:”دخل الإسلام وفى قريش سبعة عشر رجلاً كلهم يكتب وهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبى طالب، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة بن الجراح، وطلحة ويزيد بن أبى سفيان، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وحاطب بن عمرو أخو سهيل بن عمرو العامري من قريش، وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وأبان بن سعيد بن العاص بن أمية، وخالد بن سعيد أخوه، وعبد الله بن أبى سرح العامري، وحويطب بن عبد العزى العامري، وأبو سفيان بن حرب بن أمية، ومعاوية بن أبى سفيان، وجهم بن الصلت بن محزمة بن المطلب بن عبد مناف، ومن حلفاء قريش العلاء بن الحضرمي”. (3)
وقد ساعد الإسلام على انتشار الكتابة بين العرب فكلف النبي صلى الله عليه وسلم فقراء أسرى بدر بأن يعلم من يعرف الكتابة منهم عشرة من صبيان المدينة الكتابة فدية لهم. وقد انتشرت الكتابة في الجزيرة العربية بعد حروب الردة، وانتشرت خارج الجزيرة العربية مصاحبة لانتشار الإسلام ليتمكن الناس من قراءة القرآن. فانتشر الخط العربي من أقاصي الهند وأرخبيل الملايو (ماليزيا) شرقاً إلى سواحل غرب إفريقية وأقصى بلاد المغرب وبحر الأدرياتيك غرباً، ومن أواسط روسيا وأوروبا وأعالي التركستان شمالاً إلى مدغشقر ووادي زنجبار جنوباً، وقد بدأ انتشار الخط العربي في إفريقية مع فتح العرب لمصر حيث عربت الدواوين وصكت عملة جديدة بالخط العربي في عهد عبد الملك بن مروان عام 87هـ، فأدى هذا إلى انتشار الكتابة بالخط العربي، وانتشر الخط العربي من مصر إلى شمال إفريقية وتطور في المغرب، ونشر المغاربة الخط العربي بين الأمم الإفريقية، حيث وصل إلى الأندلس وجنوب فرنسا، ووصل إلى أقاليم اللوار الجنوبية في أوائل القرن الثاني للهجرة، واستعمل الخط العربي في صقلية وجنوب إيطاليا مدة قرنين ونصف من 832م إلى 1091م، وذلك بعد أن تم للعرب فتح هذه البلاد.
وهكذا استعملت الخط العربي وحروفه أمم كثيرة “مختلفة الأجناس والعادات متعددة اللغات واللهجات كالعرب والأتراك والفرس والهنود والملايو والأفغان والتتر والأكراد والمغول والبربر وأهل السودان والزنوج والسواحليون وغيرهم”. (4)
أشهر الخطاطين القدامى
يذكر ابن النديم أن: “أول من كتب في أيام بني أمية قطبة وهو الذي استخرج الأقلام الأربعة واشتق بعضها من بعض، وكان قطبة أكتب الناس على الأرض بالعربية، ثم كان بعده الضحاك بن عجلان الكاتب في أول خلافة بني العباس، فزاد على قطبة فكان بعده أكتب الخلق، ثم كان بعده اسحق بن حماد الكاتب في خلافتي المنصور والمهدي، فزاد على الضحاك، ثم كان لاسحق بن حماد عدة تلامذة منهم يوسف الكاتب الملقب بلقب الشاعر…
ثم يذكر بعد ذلك أسماء كثيرة لكتاب ووزراء منهم “أبو على محمد بن على بن مقلة ومولده بعد العصر من يوم الخميس لتسع بقين من شوال سنة اثنتين وسبعين ومائتين وتوفى في يوم الأحد لعشر خلون من شوال سنة ثمان وعشرين وثلثمائة…” وقد ضرب به المثل في تجويد الخط فقيل فيه: فصاحة سحبان وخط بن مقلة وحكمة نعمان وعفة مريم. وعن ابن مقلة أخذ تلميذه محمد بن السمسماني وعبد الله بن أسد القارئ، وعن بن أسد أخذ أبو الحسن على بن هلال البغدادي المعروف بابن البواب المتوفى عام (413هـ – 1022م) وفى بعض المراجع (423هـ – 1032م) ويقول عنه صاحبا الوسيط: “وهو الذي أكمل قواعد الخط واخترع عدة أقلام، وإليه انتهت الغاية، وكل من جاء بعده فهو تابع لطريقته”.
كما اشتهر في القرن السابع ياقوت بن عبد الله الرومي المشهور بالمستعصم والملقب بقبلة الكتاب وهو صاحب الخط الياقوتي، وكان مولده عام (618هـ – 1221م) وكانت وفاته عام (698هـ – 1298م).ومن مشاهير الخطاطين في إيران: ميرعلى التبريزي وابنه عبد الله، ونجم الدين الراوندى، وعبد الله الهمذانى، وجعفر التبريزى، وشاه محمود النيسابوري.
ومن أشهر الخطاطين الأتراك: السلطان مصطفى خان، والسلطان محمود عثمان الثاني، ومحمود جلال الدين، والحاج مصطفى راقم، ومصطفى نظيف، وحافظ تحسين الذي جود الثلث، والحاج مصطفى عزت الذي جود الثلث والنسخ.
وممن اشتهروا بتجويد الخط في مصر: طبطب كاتب أحمد بن طولون، والوزير الفضل بن سهل، وإبراهيم بن أبى عبد الله المصري وكان يعلم الخط لأكثر من ألف طالب في الأسبوع الواحد وقد توفى عام 694هـ، والسيد إبراهيم قاسم الراوندي الذي توفى عام 1211هـ، وغيرهم كثيرون.
وكما استعان الأتراك بالمصريين في معرفة الخط العربي وتجويده أيام السلطان سليم الأول وفى القرن التاسع عشر الميلادي؛ استعانت مصر في نهضتها الحديثة ببعض الخطاطين الأتراك منهم عبد الله الزهدي الذي حضر إلى مصر أيام إسماعيل باشا، وقام بتدريس الخط بالمدرسة الخديوية وخط بالقلم الجليل جدران المسجد النبوي، وكتب العبارات والآيات الموجودة على سبيل أم عباس، وجامع الرفاعي، وكسوة الكعبة ومات عام 1296هـ.
وممن اشتهروا بتجويد الخط في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في مصر: محمد مؤنس زاده شيخ خطاطي مصر، والشيخ محمد عبد العزيز الرفاعي، ومحمد إبراهيم الأفندي، ومصطفى غزلان، ونجيب هواويني، وسيد إبراهيم، وحسين حسنى ومحمد الجمل، وعلى إبراهيم وغيرهم كثيرون.
من أنواع الخطوط
للخط العربي أنواع عديدة نذكر منها: الكوفي- الجليل- الطومار- الثلثين- الثلث- المسلسل- التوقيع- الرياسي- الإجازة- سياقت- قرمة- التنزيل- الديواني- الهمايوني- الغزلاني- الريحاني- الرقاع- الطغراء- التعليق- الفارسي- النسخ- المغربي- القيرواني- الأندلسي- الفاسي- السوداني- العراقي- المشق- المائل- التدوين- العلامة- الياقوتى… وهذه بعض أنواع الخطوط على سبيل المثال لا الحصر. وقد عرف عن نجم الدين أبو بكر محمد (ولد في القرن السابع الهجري/ الثاني عشر الميلادي) أنه كان يجيد الكتابة بسبعين نوعاً، ويقال أنه ازدهر في القرن الحادي عشر الهجري حوالي 30 نوعاً مختلفاً من الخط ضاع معظمها في القرن الثاني عشر، وضاع ما تبقى منها في القرن الثالث عشر، وبقى المعروف منها حالياً وهو: الديواني والثلث والنسخ والرقعة والإجازة والفارسي والكوفي والمغربي.
وأخيراً فإن هذا العالم الإسلامي الرحيب الذي امتد من بلاد ما وراء النهر فى كردستان شرقاً إلى المغرب الأقصى في شمال إفريقيا غرباً قد صاغته حضارة واحدة وثقافة متشابهة؛ كم أنجبت من أهل الفن أعلاماً دانت لهم المجامع، وتركوا صفحات في التاريخ مجيدة خالدة.
والحقيقة أن الخط هو أداة الكاتب التي لم تنل عند أمة من الأمم ذوات الحضارة ما ناله الخط العربي عند المسلمين من العناية والتفنن، فاتخذوه في بادئ الأمر وسيلة للمعرفة، ثم ألبسوه ثوباً قدسياً من الدين.
لقد وجدت الكتابة لحاجة الإنسان إليها، وتطورت معه، وارتقت بارتقائه، وأخذت سبيلها مع تقدمه العقلي والذوقي، فالكتابة العربية إرث حضاري بحروفها كتب كتاب الله العظيم “القرآن الكريم”، فهي بهذا وثيقة الصلة بالعقيدة والفكر والأدب والدين.
المراجع:
1- تاريخ الخط العربي وآدابه- محمد طاهر الكردي- القاهرة 1939م
2- صبح الأعشى في صناعة الإنشا- القلقشندى ج3ص9
3- فتوح البلدان للبلاذرى- ص774
4- انتشار الخط العربي لعبد الفتاح عبادة – ص32
مجلة أمواج سكندرية العدد الثاني عشر أكتوبر 2002