“الكلمات والنور” لوحة إبداعية أنجزها الدكتور مأمون صقال عن الشاعر الفلسطيني محمود درويش لمجلة “الجديد” قبل عدة أعوام عند رحيله … وهي لوحة أعجبتني الإعجاب كله، وهي تحمل بعض كلمات قصيدة “عاشق من فلسطين” للشاعر محمود درويش … (فتحتُ الباب والشباك في ليل الأعاصيرِ، على قمرٍ تصلَّب في ليالينا، وقلتُ لليلتي: دوري! وراء الليل والسورِ… فلي وعد مع الكلمات والنورِ).
حيث تمازجت الألوان السرمدية في ألوان “الليل” مع ألوان الأمل في ألوان “النور” مع اللون الأحمر الذي شكل لون الكلمات التي اختلطت بجرح القلب النازف عشقاً لفلسطين، لتعطي إبداعاً رائعاً في تمازج الألوان … وجاءت حركية التصميم من هبوب الآهات والأنات من أعماق الشاعر في ليل الأعاصير … آهات ألم … وآهات حلم … من أجل الوصول إلى وعد الكلمات والنور …
كلمات العشق لفلسطين … ونور الفجر الآتي لا محالة عما قريب … وكان لاختيار صورة (محمود درويش) في الخلفية وهو عاقد يديه كأنه يبحث عن كلماته الضائعة … يبحث عن تلك الشوكة التي أوجعت قلبه، ولا يزال يعبدها (عيونِك شوكةٌ في القلب، توجعني… وأعبدُها، وأحميها من الريحِ، وأُغمدها وراء الليل والأوجاع… أغمدها، فيشعل جُرحُها ضوءَ المصابيحِ، ويجعل حاضري غدُها، أعزَّ عليَّ من روحي، وأنسى، بعد حينٍ، في لقاء العين بالعينِ، بأنّا مرة كنّا، وراءَ الباب، إثنينِ! … كما جاء في مطلع القصيدة)، وبدأت صورته بالتآكل تدريجياً … ليس عشقاً فقط … ولكنه الأمل بوعد الكلمات والنور …
ولعل اختياره للخط الثلث في كتابة كل الكلمات … دلالة على تجذر ذلك العشق لهذا الوطن المفدي … حقاً … أبدع الأستاذ مأمون في تصميمه إبداعاً لا مثيل له … فشكراً له على مداعبة عيوننا بهذا الجمال …
وجدير بالذكر أن الأستاذ الرائع ضياء سعيدة عندما رآها سطر الكلمات التالية: “ما أروع هذا التصميم، فعند رؤيتي له تولد عندي إحساس أود أن أنقله .. عندما رأيت التصميم تولد عندي في انطباع الأول … كأنه غار حراء، وساعد في ذاك ايضا أشعة الضوء التي تشبه خيوط العنكبوت، وصورة الشاعر الكبير مع انعكاس الضوء عليه كأنه فوهة الغار. وغار حراء هو كما نعلم يمثل انتشار الدعوة، ورسالة الإسلام الخالدة كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما هاجر من مكة قال : والله إنك لأحب البلاد إلي …، وهي كنايه عن تعلق قلبه الشريف بوطنه”
وختاماً، نترككم مع كلمات القصيدة الرائعة …
عيونك شوكة في القلب … توجعني … وأعبدها
وأحميها من الريح … وأغمدها وراء الليل والأوجاع.. أغمدها
فيشعل جرحها ضوء المصابيح… و يجعل حاضري غدها
أعزّ عليّ من روحي
و أنسى، بعد حين، في لقاء العين بالعين
بأنّا مرة كنّا وراء، الباب ،اثنين!
كلامك كان أغنية … و كنت أحاول الإنشاد
ولكن الشقاء أحاط بالشفقة الربيعيّة
كلامك … كالسنونو طار من بيتي
فهاجر باب منزلنا، وعتبتنا الخريفيّة
وراءك، حيث شاء الشوق … وانكسرت مرايانا
فصار الحزن ألفين
و لملمنا شظايا الصوت! لم نتقن سوى مرثية الوطن
سننزعها معاً في صدر جيتار
وفق سطوح نكبتنا، سنعزفها… لأقمار مشوهّة… وأحجار
ولكنيّ نسيت… نسيت يا مجهولة الصوت:
رحيلك أصدأ الجيتار … أم صمتي؟!
رأيتك أمس في الميناء … مسافرة بلا أهل . ..بلا زاد
ركضت إليك كالأيتام، أسأل حكمة الأجداد :
لماذا تسحب البيّارة الخضراء … إلى سجن، إلى منفى، إلى ميناء
وتبقى رغم رحلتها… ورغم روائح الأملاح والأشواق،
تبقى دائما خضراء؟
وأكتب في مفكرتي: أحبّ البرتقال. وأكره الميناء
وأردف في مفكرتي :على الميناء وقفت. وكانت الدنيا عيون الشتاء
وقشرة البرتقال لنا. وخلفي كانت الصحراء !
رأيتك في جبال الشوك راعية بلا أغنام
مطاردة، وفي الأطلال..
وكنت حديقتي، وأنا غريب الدّار
أدقّ الباب يا قلبي، على قلبي … يقوم الباب والشبّاك والإسمنت والأحجار !
رأيتك في خوابي الماء والقمح محطّمة.
رأيتك في مقاهي الليل خادمة، رأيتك في شعاع الدمع والجرح.
وأنت الرئة الأخرى بصدري . ..أنت أنت الصوت في شفتي . ..
و أنت الماء، أنت النار!
رأيتك عند باب الكهف . .. عند الدار معلّقة على حبل الغسيل ثياب أيتامك
رأيتك في المواقد.. في الشوارع . ..في الزرائب . .. في دم الشمس
رأيتك في أغاني اليتم و البؤس !رأيتك ملء ملح البحر والرمل
وكنت جميلة كالأرض . .. كالأطفال . .. كالفلّ
وأقسم:
من رموش العين سوف أخيط منديلاً
وأنقش فوقه لعينيك
إسماً حين أسقيه فؤاداً ذاب ترتيلاً . ..
يمدّ عرائش الأيك . ..
سأكتب جملة أغلى من الشهداء والقبّل: “فلسطينية كانت.. و لم تزل!”
فتحت الباب والشباك في ليل الأعاصير
على قمر تصلّب في ليالينا
وقلت لليلتي: دوري !وراء الليل و السور . ..فلي وعد مع الكلمات و النور . ..
وأنت حديقتي العذراء . ..ما دامت أغانينا سيوفاً حين نشرعها
وأنت وفية كالقمح . ..ما دامت أغانينا سماداً حين نزرعها
وأنت كنخلة في البال، ما انكسرت لعاصفة وحطّاب
وما جزّت ضفائرها وحوش البيد والغاب. ..
ولكني أنا المنفيّ خلف السور والباب…
خذيني تحت عينيك … خذيني، أينما كنت
خذيني، كيفما كنت أردّ إلي لون الوجه والبدن
وضوء القلب والعين، وملح الخبز واللحن
وطعم الأرض والوطن!
خذيني تحت عينيك، خذيني لوحة زيتّية في كوخ حسرات
خذيني آية من سفر مأساتي، خذيني لعبة. .. حجراً من البيت
ليذكر جيلنا الآتي مساربه إلى البيت!
فلسطينية العينين والوشم، فلسطينية الاسم
فلسطينية الأحلام والهم، فلسطينية المنديل والقدمين والجسم
فلسطينية الكلمات و الصمت، فلسطينية الصوت
فلسطينية الميلاد والموت، حملتك في دفاتري القديمة
نار أشعاري، حملتك زاد أسفاري
وباسمك صحت في الوديان:
خيول الروم! أعرفها وإن يتبدل الميدان!
خذوا حذّراً. ..
من البرق الذي صكّته أغنيتي على الصوّان
أنا زين الشباب، وفارس الفرسان أنا. .. ومحطّم الأوثان.
حدود الشام أزرعها قصائد تطلق العقبان!
و باسمك، صحت بالأعداء: كلى لحمي إذا ما نمت يا ديدان
فبيض النمل لا يلد النسور . ..وبيضة الأفعى . ..
يخبىء قشرها ثعبان!
خيول الروم . .. أعرفها، وأعرف قبلها أني
أنا زين الشباب، وفارس الفرسان