لوحة من لوحات الأستاذ المرحوم ضياء سعيدة، تلك اللوحة التي وقفت أتأملها وقتاً طويلاً، ليس لجمال ألوانها، ولا لدقة ظلالها، ولا لحركيتها الفذة، ولا لقدرة الأستاذ على استخدام الفوتوشوب وأدواته فقط دون اللجوء إلى أي فلاتر أخرى مساعدة، ولا لعمق فكرتها … بل لشيء غريب بداخلها لا زلت أبحث عن كنه، وأحاول تفسيره …
فألوانها، فمن لون السماء وزرقتها؛ والتي وفق التوفيق الكبير للاقتراب من درجاته المنسجمة مع الحقيقة، ومن لون الأرض البني وتدرجاته الجميلة، إلى لون أوراق الأشجار وخضرتها المتوشحة بقليل من اللون الأصفر الذي سببه انعكاس رائع لسقوط أشعة الشمس عليها، كل هذا وذاك أدى إلى تكامل لوني تمازج على نحو بهي مع لون الأفق بتدرجاته الخلابة ليضفي على اللوحة ألواناً غاية في الروعة والصفاء ..
أما ظلالها وترادف الضوء والظل على أوراق الأشجار، وعلى الأرض، وعلى انعكاس وسقوط الأشعة على الأوراق والأرض … يسر بمرآه الخاطر ويضفي تناغماً جميلاً على اللوحة يمدها بوضوح فوق وضوحها… والأجمل من ذلك كله أن نحسه بقلوبنا قبل عيوننا…
أما فكرتها، فانظر كيف جسّد بتأثير رائع غيوم السماء لتعطي كلمة “رحمة”، رحمة الرحمن الرحيم التي تهطل على الأرض كأنها مطر الشوق، لتشرق الأرض بنور ورحمة ربها، تلك الرحمة التي أينعت أخضراً شامخاً كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء… كل هذا وذاك تماوج مع حركية الإشراق، ونمو الأخضر اليانع، وتشقق الأرض لتحتضن غيث تلك الرحمة… يا الله أجمل بها من لوحة آسرة خلابة، تدفعنا لتأمل روعتها مرات ومرات دون ملل، إنها كيد حانية تداعب عيوننا برقة!!
ونختم الحديث عنها بالحديث الشريف:
عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ، كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَجَعَلَ مِنْهَا فِي الْأَرْضِ رَحْمَةً؛ فَبِهَا تَعْطِفُ الْوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا وَالْوَحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَكْمَلَهَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ” (أخرجه مسلم في صحيحه)