ينفرد فن الخط العربي انفراداً يميّزه عن سواه من الفنون الإسلامية الأخرى، فهو بصورته التي عرفها المسلمون فن أصيل اختصوا به، إذ لم يكن في تراث الشعوب التي دخلت الإسلام أو البلاد التي انتشر فيها فنٌ يناظره، أضف إلى ذلك أن الخط، وإن كان أساسه الحرف العربي بما يمتلك من إمكانيات جمالية، إلا أنه تطور من الصورة البسيطة التي كانت عليها الكتابة العربية في صدر الإسلام إلى ما صارت إليه فيما بعد من الغنى بالقيم الجمالية والتصرفات الإبداعية.
والكتابة العربية ليست رموزاً ومواصفات فنية وحسب، ولكنها إلى جانب ذلك منهج فكر وطريقة نظر، وأسلوب تصور رؤية متكاملة تمدها خبرة حضارية متفردة، ويرفدها تكوين نفسي مميّز فالذي يتكلّم لغة ما يفكّر بها، فهي تحمل في كيانها تجارب أهلها وخبرتهم وحكمتهم وبصيرتهم وفلسفتهم في الحياة، فهي وسيلة تفكير كما هي وسيلة تعبير. والخط الحسن كالصوت الحسن يزيد الحق وضوحاً، وقال القلقشندي في الموازنة بين الخط واللفظ: إنهما يتقاسمان فضيلة البيان ويشتركان فيها من حيث إن الخط دال على اللفظ، والألفاظ دالة على الأفكار، ولاشتراك الخط واللفظ في هذه الميزة وقع التناسب بينهما في كثير من أحوالهما، وذلك لأنهما يعبران عن المعاني. إلا أن اللفظ معنى متحرك والخط معنى ساكن، وهو وإن كان ساكناً فإنه يفعل فعل المتحرك بإيصاله كل ما تضمنه إلى الإفهام وهو مستقر في حيزه قائم في مكانه كما أن اللفظ فيه العذب الرقيق السائغ في الأسماع، كذلك الخط فيه الرائق المستحسن الأشكال والصور.
وفي هذه المقال سنفرد البحث لنوع هام في هذا المضمار.. ألا وهو خط الطغراء…
يعد خط الطغراء أرقى ما وصل إليه فن الجمال التزييني بالخطوط، لقد رأت الطغراء النور في تركيا، وليس من شك في أنها صورة فريدة حققت ما يمكن أن تصل إليه معاني الخطوط والأشكال التجريدية للكتابة العربية، إنها التوقيع الرسمي المترف والمسرف الجمال لسلاطين آل عثمان وعنها أُخذت أختام المملكة الرسمية.
إن الخطوط في طغراء السلطان سليمان القانوني تهدف إلى التوافق مع الأشكال الفنية والهندسية، ففيها ثلاث أصابع مستقيمة وثلاثة منحنيات … ومنحنيان بيضويان وتشابك في الخطوط عند القاعدة وكأن الحروف في القاعدة قد شعرت بألم الغربة الأبدي، فهي تحاول أن تهرب من الحياة المؤقتة التي فرضتها عليها الصورة، لتنضم أخيراً إلى استقلالية الأشكال الخاصة.
يعد خط الطغراء أرقى ما وصل إليه فن الجمال التزييني بالخطوط، لقد رأت الطغراء النور في تركيا، وليس من شك في أنها صورة فريدة حققت ما يمكن أن تصل إليه معاني الخطوط والأشكال التجريدية للكتابة العربية، إنها التوقيع الرسمي المترف والمسرف الجمال لسلاطين آل عثمان وعنها أُخذت أختام المملكة الرسمية.
إن الخطوط في طغراء السلطان سليمان القانوني تهدف إلى التوافق مع الأشكال الفنية والهندسية، ففيها ثلاث أصابع مستقيمة وثلاثة منحنيات … ومنحنيان بيضويان وتشابك في الخطوط عند القاعدة وكأن الحروف في القاعدة قد شعرت بألم الغربة الأبدي، فهي تحاول أن تهرب من الحياة المؤقتة
التي فرضتها عليها الصورة، لتنضم أخيراً إلى استقلالية الأشكال الخاصة.
وقد تطورت الطغراء مع الزمن وأصبحت في العصور الحديثة أكثر بساطة من حيث التصوير، وأوضح قراءة من حيث الخط، وقد تخصص في رسمها الخطاطون الذين كانوا يجمعون البراعة في الكتابة والتصوير معاً … نذكر منهم مصطفى الراقم وعبد العزيز الرفاعي وإسماعيل حقي وسامي.
فالأستاذ مصطفى الراقم رسم طغراء لتلميذه السلطان محمود الثاني ونصها “محمود خان بن عبد المجيد دام مظفراً” والطغراء الثانية رسمها سامي الخطاط وقد جاء نصها “عبد الحميد خان بن عبد المجيد دام مظفراً”.
كما تمثل الطغراء لوحة تجريدية حقيقية بانفراجاتها المستقلة والمليئة بالأزهار المنتشرة بشكل حلزوني في سبيل ملء الفراغ… وقد حقق الفنّان المبتكر استقلالية في الأشكال والمسافات، بحيث أصبحت الكتابة غامضة وصعبة القراءة إلا على الخبير الذي في وسعه أن يتتبع نص الخطاط المعلق بين عالمين، ففي الطغراء يهدف الفنان إلى الجمال المتناقض الرجراج بين الصراحة والغموض.
إن في دنيا الطغراء تطوراً تاماً قد يصل إلى حد الغرابة، ولكنه يتميز بآثار أصيلة تروق النظر وتفتق الأذهان. والطغراء رسم خاص تدخل في الكتابة بتصرف في شكل الخط والخروج على قواعده. وتكتب الطغراء بالثلث المحوّر وتشبه أن تكون شارة أو ختماً أو توقيعاً للملك أو السلطان الحاكم.
وللطغراء قصة تفسر نشأتها وتتلخص بتوتر العلاقات بين تيمورلنك وبيازيد العثماني، فقد أرسل تيمور للسلطان إنذاراً لم يمهره بتوقيعه لأنه يجهل الكتابة، ولكنه بصمه بكفه كاملاً بالمداد… وأراد بيازيد أن يسخر من تيمور فأوعز لفنانه /الخطاط/ أن يضع توقيعاً يشبه بصمة أو كف تيمور وكانت الطغراء شبه كف تيمور واتخذت شارة عند سلاطين بني عثمان فيما بعد.
وأول من استخدم الطغراء شارة للملك السلطان سليمان بن بيازيد في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي.
كما تكتب الطغراء عادة بنوعين من الخطوط، هما الثلث أو الديواني، تنساب خطوطها بشكل متناغم ومتقاطع لتعطي تكويناً انسيابياً صلباً، يعاني من زخم في وسطه مع باقي حركات الطغراء.
ويمكن القول إن الطغراء قد أخذت شكلاً ثابتاً يقوم على ثلاثة امتدادات من الألف أو اللام تتناقص في طولها، وثلاثة أقواس ترجع بدايتها إلى الخلف قليلاً بشكل مفاجئ إلى الأمام ومن خطين يتقوسان إلى الخلف ويرتدان إلى الأمام ويتمددان، وخط لين يعاني صعوداً يليه هبوط مفاجئ ليقطع القوسين. وأخيراً نجد ألفاً صغيرة تقطع القوسين. كل هذه الحركات تعطي لخط الطغراء رونقاً يختلف عن باقي أنواع الخطوط حيث العبقرية التي تسكب في جوارح الشكل المخطوط أنموذجاً يواكب مسيرة الخط العظيمة.
المراجع:
1 ـ تاريخ الخط العربي وآدابه: محمد طاهر عبد القادر الكردي المكي، هدية مركز الملك فيصل، الرياض، تحت رقم /56694/ المملكة العربية السعودية.
2 ـ روح الخط العربي: كامل البابا، ط2 دار العلم للملايين، 1994 بيروت، لبنان.
3 ـ ملف الإثنين: محمد كنايسي، جريدة البعث، دمشق، العدد /10844/ 15 فبراير 1999.
4 ـ الخط العربي ـ تاريخه، حاضره: بلال عبد الوهاب الرفاعي، دار ابن كثير، دمشق.
5 ـ الخط العربي، حسن المسعود، دار فلاماريون، باريس.
6 ـ أطلس الخط والخطوط، حبيب الله فضائلي، ترجمة، محمد التونجي، دار طلاس، دمشق.
7 ـ الخط الزاهر الجلي من أقوال الإمام علي، جواد سبتي النجفي، طهران، إيران.
جريدة الأسبوع الأدبي العدد 1064 تاريخ 14/7/2007